الصورة الثانیة : إذا ورد عامّ وخاصّان بینهما عموم وخصوص مطلق
لو ورد عامّ وخاصّان، وبین الخاصّین عموم وخصوص مطلق، مثل «أکرم کلّ عالم، ولا تکرم النحویّین، ولاتکرم فسّاق النحویّین».
فقال بعض الأعاظم قدس سره: إنّه یُخصَّص العامّ بهما، کما فی الصورة السابقة، ولکنّه یتصوّر علی وجوه :
الوجه الأوّل : أن یتوافق الخاصّان إثباتاً ونفیاً، ویخالفان العامّ فیهما، کما فی المثال المذکور، فإمّا أن یلزم من تخصیص العامّ بهما محذور من الاستهجان وغیره، أو لا.
والثانی أیضاً علی قسمین :
أحدهما : أن تُحرز وحدة المطلوب من الخاصّین.
ثانیهما : أن لایُحرز ذلک.
فعلی الأخیر یخصّص العامّ بهما، فیخرج فسّاق النحویّین فی المثال من العامّ، وکذلک عدولهم؛ أی مورد افتراق الأعمّ من الخاصّین، وعلی الأوّل أی فرض إحراز وحدة المطلوب من الخاصّین، فیخصّص الأعم من الخاصّین بالأخصّ منهما، فیخرج فسّاق النحویّین من عموم «لاتکرم النحویّین» ویبقی عدولهم تحته، ویصیر نتیجة ذلک حرمة إکرام عدول النحویّین، فیخرج ذلک عن العامّ، والنتیجة حینئذٍ وجوب إکرام العلماء سوی العدول من النحویّین.
ولو لزم الاستهجان من تخصیص العامّ، فهو إمّا بسبب التخصیص بالخاصّ أو
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 507 الأخصّ ، أو بکلّ واحد منهما منفرداً، فالأخیر کما لو قال: «أکرم العلماء»، وفرض انحصارهم فی الکوفیّین إلاّ نادراً، وقال: «لاتکرم الفسّاق منهم»، وقال: «لاتکرم فسّاق الکوفیّین»، وفُرض أنّهم فسّاق إلاّ نادراً، فإنّه لو خُصّص بالأخصّ من الخاصّین ـ أی «لاتکرم فسّاق العلماء الکوفیّین» ـ یلزم تخصیص الأکثر المستهجن؛ لأنّه لایبقی حینئذٍ تحت العامّ إلاّ النادر منهم حسب الفرض.
وکذلک یلزم الاستهجان من تخصیصه بالخاصّ من الخاصّین بطریق أولی ؛ لأنّ المفروض أنّ دائرته أوسع وأعمّ من الآخر، فإذا اُخرج من العموم یلزم ما ذکر من الاستهجان، ولا مناص حینئذٍ من أن یقال بتعارض الأدلّة الثلاثة، والرجوع إلی قواعد التعارض، ولو لزم الاستهجان من تخصیص العامّ بالخاصّ فقط ـ لا بالأخصّ ـ فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ وتخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ المخصِّص، وهو جمع عقلائیّ لایستلزم الاستهجان، لکن یکشف ذلک عن وحدة المطلوب من الخاصّین؛ لعدم إمکان تعدّد المطلوب حینئذٍ، وإلاّ لزم الاستهجان.
وأمّا فرْضُ لزوم الاستهجان من تخصیص العامّ الفوقانی بمجموع الخاصّین فقط، فهو غیر متصوّر لتداخلهما.
الوجه الثانی : ما لو کان الخاصّان متخالفین إیجاباً وسلباً، والأخصّ موافقاً للعامّ دون الخاصّ، مثل «أکرم العلماء، ولا تکرم الفسّاق منهم، وأکرم فسّاق النحویّین»، فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ، ثمّ تخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ المخصَّص، والنتیجة وجوب إکرام العلماء إلاّ عدول النحویّین.
وعلی فرض لزوم الاستهجان من التخصیص، یقع التعارض بین الأدلّة الثلاثة المذکورة، وإن لزم الاستهجان من تخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ المخصّص دون تخصیصه ـ أی الخاصّ بالأخصّ ـ یقع التعارض بین العامّ والخاصّ، لکن لا مانع من تخصیص الخاصّ بالأخصّ.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 508 الوجه الثالث : أن یکون کلّ واحد من الأدلّة الثلاثة مخالفاً للآخر فی الحکم، مثل «یجب إکرام العلماء، ویحرم إکرام الفسّاق منهم، ویُستحبّ إکرام النحوی من فسّاق العلماء»، فالحکم فیه کما تقدّم: من أنّه إن لم یلزم محذور من تخصیص العامّ بالخاصّ المخصَّص بالأخصّ، فمقتضی الجمع العقلائی تخصیص الخاصّ بالأخصّ، ثمّ تخصیص العامّ الفوقانی بالخاصّ بعد خروج الأخصّ منه، وتصیر النتیجة فی المثال وجوب اکرام جمیع العلماء إلاّ الفسّاق الغیر النحوی منهم، والفسّاق الغیر النحوی منهم محرم الاکرام والفسّاق من النحویین مستحب الإکرام.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 509