الأمر الأوّل : النسبة فی القضایا
إنّ القضایا باعتبارٍ علی قسمین: الأوّل الحملیّات المؤوّلة، الثانی الحملیّات الغیر المؤوّلة، کما اصطلحنا علیه؛ ونعنی بالثانیة القضایا التی مفادها الهوهویّة، وتحکی عن الاتّحاد فی الخارج، مثل «الإنسان إنسان، أو حیوان، أو ناطق»، ونحو ذلک من الحملیّات الأوّلیّة، ومثل «زید إنسان، أو قائم»، ونحوهما من الحملیّات الشائعة الصناعیّة، فإنّ جمیع هذه تحکی عن الاتّحاد والهوهویّة الخارجیّة، لاثبوت شیء لشیء، فمعنی «زید زید» و «الله تعالی موجود»: أنّه هو، لا أنّ ذاک ثابت لهذا، فإنّه غلط. فما یقال من أنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروریّ، فاسد بل غلط، وهذه القضایا مرکّبة من جزءین؛ لا نسبة فیها أصلاً. فقولهم : «إنّ الکلام إن کان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه، فهو خبر، وإلاّ فإنشاء» غیر صحیح، لا فی الخبر، ولا فی الإنشاء؛ لعدم النسبة فی هذه القضایا؛ کی تطابق الخارج أو لا تطابقه.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 125 وکذلک القضیّة المعقولة منها والقضیّة الملفوظة الحاکیة عن الخارج، وإلاّ یلزم لغویّة النسبة فی القضیّة الملفوظة؛ لعدم حکایتها عن الخارج لعدم النسبة فیه.
وأظنّ أنّ منشأ التوهّم فی قولهم : «القضایا مرکّبة من ثلاثة أجزاء» هو الاغترار من لفظ الحمل المقتضی للحامل والمحمول المتغایرین.
لکنّه توهّم فاسد، فإنّ المناط هو الواقع، فإن کانت النسبة متحقّقة فی الواقع والخارج، فالقضیّة اللفظیّة الحاکیة عنه لابدّ أن تشتمل علی النسبة، وإلاّ فلا، ولافرق فی ذلک بین الهیئات المرکّبة والبسیطة.
فما عن بعض الأعاظم : من اختصاص الکون الرابط بالهیئات المرکّبة.
فیه : أنّ جمیعها لیس کذلک، بل بعضها.
ونعنی بالقضایا المؤوّلة المشتملة علی الکون الرابط الحاکیة عنه ـ لا الهوهویّة ـ مثل «زید علی السطح» و «زید له القیام، أو فی الدار»؛ ضرورة عدم حکایة هذه عن الهوهویّة والاتّحاد الخارجی، بل عن النسبة الخارجیّة، فقولنا: «زید علی السطح» یحکی عن ثلاثة أشیاء: الموضوع، والمحمول، والنسبة بینهما، ولعلّه أشار إلی ذلک فی «المطوّل» فی باب الإسناد بقوله: للفرق الظاهر بین قولنا: «القیام حاصل لزید فی الخارج» و «حصول القیام له أمرٌ متحقّق موجود فی الخارج».
ولافرق فیما ذکرناه بین الموجبة المحصّلة والمعدولة والموجبة المعدولة المحمول. هذا فی الموجبات.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 126 وأمّا السوالب : فذهب المتأخّرون إلی أنّها مشتملة علی النسبة السلبیّة.
ولکنّه خلاف التحقیق، بل التحقیق : أنّها لاتشتمل علی النسبة أصلاً؛ لأنّ مفادها سلب الربط والنسبة ، أو سلب الهوهویّة، فإنّ القضیّة الملفوظة منها إنّما تحکی عمّا هو فی الخارج، ولیس فیه نسبة سلبیّة حتی تحکی عنها القضیّةُ الملفوظة.
نعم لابدّ فی القضایا المؤوّلة منها من ذکر ما یحکی عن النسبة، مثل لفظة «علی» فی «زید لیس علی السطح»، لکنّه إنّما هو لأجل إفادة سلبها.
والحاصل : أنّ السوالب من القضایا لاتشتمل علی النسبة أصلاً.
کتابتنقیح الاصول (ج.۴): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 127