ذنابة : فی بیان المراد من «الفحص» وحدوده
مقتضیٰ ما تحرّر عدم جریان البراءة قبل الفحص، فالفحص شرطه بالضرورة، وإنّما الکلام فی المراد من «الفحص» إذ لا شبهة فی أنّه لیس دأب المکاتب الإسلامیّة وغیرها إبلاغ الحکم إلیٰ أبواب المکلّفین، وتطویق حِلَق بیوتهم؛ فإنّ العالم «کالکعبة یزار ولا یزور» وعندئذٍ لابدّ من قیام الرسل وخلفائهم بنشر الأحکام وبسطها حسب المتعارف والجدّ والجهد فی توزیع المسائل الإلهیّة علیٰ ما هو المضبوط.
کما أنّ المجتهد یبذل جهده وکدّه فی الوصول إلیه؛ علیٰ ما هو المکتوب فی الدفاتر والاُصول والکتب الکبیرة والصغیرة البالغة إلینا، وإعمال الاجتهاد حسب المتعارف علیٰ أن یقف علی النسخ القدیمة والجدیدة.
فمن الجانبین: جانب الرسالة وخلفائها، وجانب الحکّام وأمنائهم علیٰ الحلال والحرام، یحصل ما هو المقصود الأعلی السیاسیّ والمأمول المنظور الأساسیّ، کی یحافظ علی النظام الفردیّ والاجتماعیّ.
نعم، الفرق بین الجانبین: أنّه لا تنجّز قبل إبلاغ الجانب الأوّل ولو کان الحکم مخزوناً فی خزانة الربّ ـ جلّ وعلا ، ولا براءة بعد الإبلاغ حسب المتعارف عقلیّةً وغیر عقلیّة، إلاّ بعد الجانب الثانی وهو الفحص.
فالإیصال والوصول معتبران، لا بمعنی خارج عن العادة، وإن لم یکن الحکم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 222 بدون الوصول الجزئیّ والخاصّ قابلاً للتحریک والباعثیّة، بل بمعنی الإیصال والوصول المعلوم عند کافّة الفقهاء رحمهم الله وأمّا حدیث التحریک الفعلیّ، فلا یعتبر فی التنجیز بالضرورة.
وأمّا القابلیّة للتحریک، فهی حاصلة بعد إبلاغ الرسل وخلفائهم، وأمّا فی صورة وجودها فی المخازن فلا قابلیّة؛ إمّا لعدم الإنشاء فلا حکم، أو لعدم شرط الإبلاغ، فلا قابلیّة.
أی بعبارة اُخریٰ: من الجانب الأوّل إذا تمّ الأمر، فلا یعتبر شیء أزید من إتمام الحجّة، وهو حاصل بمجرّد الاحتمال ولو لم یکن مقروناً بالعلم، أو قلنا: بأنّ العلم الإجمالیّ غیر منجّز، فعندئذٍ یلزم الفحص؛ سدّاً لباب جواز کون صدور العقاب غیر جزاف.
وغیر خفیّ: أنّه علیٰ جمیع التقاریب، یلزم المناقشة فی التمسّک بقاعدة امتناع العقاب جزافاً، أو قبح العقاب بلا بیان فی صورة الشکّ فی وجود البیان، بل فی صورة الشکّ فی إصابة الحجّة، إلاّ علیٰ تقریب محرّر. فهنا لابدّ من دعویٰ درک العقل أنّ الحجّة علی الکبریٰ تامّة، ولا تجری قاعدة قبح العقاب فی الشبهة الموضوعیّة، ولازمه هو الاحتیاط، کما اختاره سیّدنا الاُستاذ العلاّمة البروجردیّ قدس سره.
أو دعویٰ: أنّ العقل یدرک فی خصوص المسألة وجود السیرة والمرام العقلائیّ وحکم العقل بسدّ باب الاحتمال؛ لحجّیة الاحتمال، وهو یوجب عدم کون العقاب جزافاً وبلا بیان.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 223