بعض المواعظ الأخلاقیة والإرشادات اللازمة
1 ـ اعلم یا أخی فی الله ویا شقیقی فی الطریق وسلوک السبل الحقّة فی الأزقّة: أنّ من الأدب فی مقام الاحتجاج إظهار ما فی الـنفس، وإبراز ما فی الـقلب بطریق الأسئلـة، وعلی نهج الـجهالـة وعدم الـخبرویـة، ولو کان بحسب اعتقاده خبیراً بصیراً، ولکنْ تلک الـملائکـة الـمقدِّسون الـمسبِّحون، فإنّهم مع کونهم فی هذه الـمثابـة من الـوجود والـمرتبـة، ومع کونهم فی نشأة عالـیـة من نشآت الـعین والـخارج والـتحقّق، لا یعترضون ولا یعترکون ولا یصبحون فی اللجاج والـمعارک، وغایـة ما عندهم: هو عرض أمرهم وخواطر بالـهم وخیالاتهم؛ بذکر ما کان عندهم من الـمفاسد الـنوعیـة الـمسبوق بها فکرهم وإدراکهم، أو انتقلوا إلـیها بعد ما کانوا عالـمین بما تحت الـخلافـة فی الأرض الـسفلیٰ وبطون الأودیـة وسطوح الـتراب، وبذکر ما عندهم من الـصفات الـحمیدة والأوصاف الـحسنـة والـحسنات الـکثیرة، مراعین الأدب نهایتـه ومواظبین علیـه غایتـه.
2 ـ یظهر أنّ هذه الآیـة تُرشد إلـیٰ أنّ الله تعالـیٰ بها یرید إرشاد الـناس إلـیٰ الـمشاورة والـفحص والـبحث، وإلـیٰ الـمذاکرة فی الاُمور، فأظهر ما
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 263 عنده من الإرادة والـقصد للملائکـة؛ بجعل الـخلافـة للإنسان حتّیٰ تکون الملّة مثله تعالیٰ بذکر ما فی نفوسهم عند الأغیار؛ حتّیٰ یحصل لـه من الـحقائق ما خفی علیـه، ومن الـدقائق ما بطن. فالآیـة فیها الإرشاد الاجتماعی والـفردی؛ حتّیٰ فی صورة کون الأمر واضحاً بیِّناً، کما فیما نحن فیـه، فضلاً عن الإنسان الـمختفی علیـه جهات الـمسائل ونواحی الاُمور وضواحی الأعمال والأفعال، وفضلاً عن الـجاهلین الـقاصرین عن الـوصول إلـیٰ مغزیٰ الاُمور ونیل الـواقعیات الـتکوینیـة أو الاعتباریـة.
3 ـ إذا کنت تدرک وتفهم من سؤال الـملائکـة أوّلاً، ومن نسبـة الـباطل إلـیٰ خلیفـة الله ، ونسبـة الـفساد سفک الـدماء إلـیٰ مجعولـه تعالـیٰ ثانیاً، ومن تفاخرهم بإظهار تسبیحهم وتقدیسهم لـه تعالـیٰ ثالـثاً،أنّ هذه الاُمور غیر لائقـة بجنابهم وغیر مترقَّبـة عن حضراتهم، فلتکن ـ یا أخی ـ علیٰ خبرویـة وإحاطـة بالـسیّئات والأباطیل، وبعیداً عن الإفساد والـفساد، ومتجنّباً عن الـغیبـة والـتهمـة والـکذب والافتراء بالـنسبـة إلـیٰ الـمسلمین والـمؤمنین، بل والأشباه والـنظائر فی الـخَلق والـخُلق ولا تجترئ علیٰ الـتدخّل فی اُمور الـناس بالـسؤال، ولا تکن مراقباً لصنائع الـقوم، فإنّ من راقب الـناس مات همّاً وغمّاً.
فهذه الآیـة من هذه الـناحیـة أیضاً فی جهـة الإرشاد والإیعاز، وفی ناحیـه الإصلاح والـتوجیـه إلـیٰ الـمحاسن الـخلیفـة، فالـفخر بذکر الـمحامد، ورؤیـة مساوئ الآخرین، والاغترار برؤیـة محاسن نفسـه، والإغماض عن محامد الـمؤمنین، کلّـه من الـخطاء فی الـطریقـة والـسلوک فإنّ الـسالـک لابدّ وأن یصل ـ بالـدراسـة والـتأمّل وبالـتدریب والـتفکّرـ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 264 إلـیٰ أن یکون مصداقاً واضحاً ونوراً وضیاءً لقولهم: «خیر الناس من یریٰ نفسَه شرَّ الناس»، ویجد نفسـه عند الـناس نازلاً، ویکون عند الله خیر الـناس، وهو فی الـناس کأحد من الـناس.
ولنعم ما قال الـشاعر الـمعروف الـشیرازی:
کمال سرّ محبت ببین نه نقص گناه
که هر که بی هنر افتد نظر به عیب کند
ولقد جاء فی أمثلـة الـمعارف الإلهیـة: أنّ الـذُّباب یطیر فی الـجوّ والـهواء، ویتجوّل فی الـفضاء حتّیٰ یجد موضعاً فضّاً من الـعالـم أو من بدنک، فیقعد هناک، فلا تکن کذباب الـعالـم تریٰ عیوب الـناس، وتفضل عن عیوبک.
4 ـ ربّما فی قولـه تعالـیٰ: «إنِّی أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ» رَمْز إلـیٰ أنّـه أحسن تعبیر ـ بالـنسبـة إلـیٰ الـملائکـة ـ من قولـه تعالـی: «إنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الجَاهِلِینَ» مع إمکان أن یقال بالـنسبـة إلـیهم: إِنِّی أعظکم أن تکونوا من الـجاهلین.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 265