وعلی مسلک أرباب الحدیث وأصحاب التفسیر الأوّلین
«وَقُلْنَا یَا آدَمُ اسْکُنْ أَنْتَ وَزَوْجُکَ الجَنَّةَ وَکُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَیْثُ شِئْتُما وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الظّٰالِمِینَ» فعن إبن عباس وابن مسعود وعن ناس من أصحاب الـنبیّ صلی الله علیه و آله وسلم: أنّ عدوّ اللّٰه إبلیس أقسم بعزّة اللّٰه لَیُغویَنّ آدم وذُرّیّتـه وزوجتـه، إلاّ عباده الـمخلَصین منهم، بعد أن لـعنـه اللّٰه، وبعد أن اُخرج من الـجنّـة، وقبل أن یهبط إلـیٰ الأرض. وعلَّم اللّٰه آدم الأسماء کلّها.
وعنهم أیضاً کلّهم: فأخرج إبلیس وأسکن آدم الـجنّـة، فکان یمشی فیها وحشاً لـیس لـه زوج یسکن إلـیـه، فنام نومـة، فاستیقظ وإذا عند رأسـه امرأة قاعدة خلقها اللّٰه من ضلعـه، فسألها من أنت؟ فقالـت: امرأة. قال: ولِمَ خُلِقْتِ؟ قالـت: تَسْکنُ إلـیّ. قالـت لـه الـملائکـة ینظرون ما بلغ علمـه: ما اسمها
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 498 یاآدم؟ قال: حوّاء. قال: وَلِمَ سُمّیت حوّاء؟ قال: لأنّها خُلقت من شیء حیّ. فقال اللّٰه تعالـیٰ لـه: یا آدم... إلـی آخره.
وقال آخرون: خُلقتْ قبل أن یسکن آدم الـجنّـة، فعن ابن إسحاق فیما بلغنا عن أهل الـتوراة وغیرهم من أهل الـعلم.
عن ابن عبّاس وغیره: أنّه أخذ ضلعاً من أضلاعـه من شقّـه الأیسر، ولأم مکانـه لحماً، فسوّاها امرأة، فلمّا کُشِف عن آدم الـسِّنَةَ رآها إلـیٰ جنبـه، فقال: لـحمی ودمی وزوجتی، فسکن إلـیها، فلمّا زوّجـه اللّٰه تعالـیٰ، وجعل لـه سَکَناً من نفسـه. قال: «وَقُلْنَا یَا آدَمُ...» إلـی آخره وعن ابن عبّاس وابن مسعود وناس من أصحاب الـنبیّ صلی الله علیه و آله وسلم: الـرَّغَد: الـهنیء، وعن مجاهد قال: هو لاحساب علیـه، وعن ابن عبّاس: سعـة الـمعیشـة.
وعن قتادة: إنّ الـبلاء الـذی کُتب علیٰ الـخلق کُتب علیٰ آدم، کما ابتُلی به الخلق قبله ... إلیٰ أن قال: فما زال بـه الـبلاء حتّیٰ وقع بالـذی نُهی عنه.
فعن ابن عبّاس: الـشجرة هی الـسنبلـة، وعن أبیمالـک، قال: هی الـسُّنْبُلـة، وهکذا عن عطیـة وقتادة، وعن ابن عبّاس، عن أبیالـخلد: أنّ تلک الـشجرة هی الـسنبلـة،الـشجرة الـتی تاب عندها آدم هی الـزیتونـة، وزوجتـه أیضاً أکلت من الـسنبلـة.
وعن مجاهد عن ابن عبّاس: هی الـبُرّ: وعن وهب بن منبـه الـیمانی: هی الـبُرّ، وهی مقالـة أهل الـتوراة، وتلک الـحبـّة فی الـجنّـة ککُلیٰ الـبقر، ألین من الـزبد وأحلیٰ من الـعسل.
وعن یعقوب بن عتبـة: أنّـه حُدّث أنّها الـشجرة الـتی تحتکّ بها الـملائکـة للخلد.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 499 وعن ابن عبّاس: هی الـکرمـة، وتزعم الـیهود أنّها الـحنطـة، وهکذا عن الـسدّی، وعن جُعدة بن هبیرة: هو الـعنب، وعنـه أیضاً: هو الـکَرْم، وعنـه أیضاً: هی الـخمر، وعن سعید بن جُبیر: هو الـکرْم، وقال محمّد بن قیس: عنب، وعن ابن جریح، عن بعض أصحابـه صلی الله علیه و آله وسلم قال: تینـة، والأشبـه عندی هی الـشجرة الـملعونـة فی الـقرآن وهی الأباطیل.
«فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا» فعن ابن عبّاس: أغواهما، وبذلک تطرد قراءة «فأزالاهما» وقد اطعب نفسـه الـطبری وغیره فی إبطال هذه الـقراءة غافلین عن أنّ قولـه تعالـیٰ: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطَانُ عَنْهَا» مذکور فیـه الـفاعل، فلاتغفل.
«فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِیهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» فعن أبیصالـح، قال: آدم وحوّاء وإبلیس والـحیـة. وعن الـسدّی: فلعن الـحیّـة، وقطع قوائمها، وترکها تمشی علیٰ بطنها، وجعل رزقها من الـتراب. وأهبط إلـیٰ الأرض تلک الأربعـة.
وعن مجاهد تلک الـثلاثـة ولم یذکر حوّاء.
وهذا یؤیّد مقالـتنا فی وجـه، وهو أنّها آدم فإنّ الـمنظور هی الآدمیـة الـشیطانیـة والـملکیـة الـمخمورة طینتها.
ثمّ قال مجاهد: ذُرّیـة بعضهم أعداء بعض.
وعندی ـ احتمالاً ـ : أنّ الـحیّـة وحوّاء هی الـجهـة الـدنیویـة الـمقترنـة بتلک الـطینـة.
وعن أبیالـعالـیـة: یعنی إبلیس وآدم، وعن ابن عبّاس تلک الأربعـة، وعن ابن زید قال: لـهما ولذرّیتهما.
«وَلَکُمْ فِی الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» فعن أبی العالیة، قال: هو قوله تعالیٰ:
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 500 «اَلَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً».
وهذا یؤیّد ما ذکرناه: أنّـه مقابل الـجبال والـسماء.
وعن الربیع: هو قوله تعالیٰ: «جَعَلَ لَکُمُ الأَرْضَ قَرَارَاً» وهذا أیضاً مثل ما مرّ قویّاً.
وعن الـسدّی: هی الـقبور، وهکذا عن ابن عبّاس، وعن ابن زید، قال: مقامهم فیها.
«وَمَتَاعٌ إِلَیٰ حِینٍ» فعن الـسدّی: بلاغ إلـی حین الـموت، وعن ابن عبّاس، قال: الـحیاة، وعن آخرین: إلـیٰ قیام الـساعـة، وعن جماعـة اُخریٰ، قالـوا: إلـیٰ أجل.
«فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَیْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِیمُ» فعن ابن زید: فَلقّاهما هذه الآیـة: «قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْلَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ».
وعن ابن عبّاس: أی أیْ ربِّ ألَمْ تخلُقنی بیدک؟ قال: بلیٰ، قال: أی ربِّ ألم تنفُخ فیّ من روحک؟ قال: بلی، قال أی ربِّ ألم تُسکِنیِّ جنّتک؟ قال: بلیٰ، قال: أی ربِّ ألم تسبِق رحمتُک غَضَبَک؟ قال: بلیٰ، قال: أرأیت إن أنا تبتُ وأصلحتُ أراجعیَّ أنت إلـیٰ الـجنّـة؟ قال: نعم. قال: فهو قولـه تعالـیٰ: «فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ».
وعن سعید بن جبیر، عن ابن عبّاس: مثلـه، وعن قتادة، قال: یاربِّ أرأیت إن أنا تُبتُ وأصلحتُ؟ قال: إنّی إذاً راجعک إلـیٰ الـجنّـة، وعن الـحسن: أنّهما
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 501 قالا ما عن ابن زید.
وعن أبیالـعالـیـة ما عن ابن زید وابن عبّاس، وعن الـسدّی: «فَتَلَقَّیٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ کَلِمَاتٍ» أنّـه کذا وکذا، وهی الـکلمات الـسابقـة، وفی تفسیر الطبری أیضاً ما یقرب من ذلک.
«قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِیعاً فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً فَمَنْ تَبِعَ هُدَایَ فَلاَخَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلاَ هُمْ یَحْزَنُونَ» فعن ابیالـعالـیـة: «الـهدیٰ» الأنبیاء والـرسل والـبیان.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 502