الوجه التاسع
علم الملائکة بجهلهم
ربّما یخطر بالـبال أنّ قولـه تعالـی: «قَالُوا سُبْحَانَکَ...» إلـیٰ آخره، کان ینبغی أن یکون متأخّراً عن الآیـة اللاحقـة، وذلک لـعدم ثبوت علم آدم بالـنسبـة إلـیٰ الأسماء، ومقتضیٰ الـترتیب هو أن تکون الآیات هکذا: «إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ»«قَالَ یَا آدَمُ أَنـْبِئْهُمْ بأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمٰائِهِمْ» «قَالُوا سُبْحَانَکَ...» إلـیٰ آخره، «قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَکُمْ...»إلـیٰ آخره.
أقول: الأمر ولو کان بحسب بادی الـنظر کما تحرّر، إلاّأنّ الأظهر خلافـه؛ ضرورة أنّ الـملائکـة بعد ما توجّهوا إلـیٰ جهالـتهم بالأسماء، واحتجاجـه تعالـیٰ علیهم، وکانوا یعلمون أنّـه تعالـیٰ حکیم علیم، سبقوا إلـیٰ إبراز الـعجز والاعتذار عمّا کانوا یحتملون من أنّ آدم أیضاً مثلهم فی الـجهالـة کی یصبروا ولا یسبقون فی الاعتذار.
ثمّ إنّـه ممّا لا ینبغی أن یختفی: أنّ من هذه الآیات لا تستفاد جهالـة صریحـة للملائکـة بالـنسبـة إلـیٰ الأسماء، ولکن من الـممکن عجزهم عن
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 312 إظهار تلک الأسماء أو صرفهم بالـتعجیز عن الإبراز وکان الـصرف مثلاً من اللّٰه تعالـیٰ، کما قیل فی إعجاز الـقرآن، وقولـه تعالـیٰ: «لاَ عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا» لاینفی علمهم بالأسماء، بل هی قاعدة کلّیـة، فلا تغفل، بل قولـه تعالـیٰ: «إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ»یرمز إلـیٰ عجزهم لـما أنّ الـمتعارف فی مقام الـتعجیز استعمال أمثال هذه الـجمل، کجملـة «إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ»وغیرها.
بقی شیء: وهو أنّ کلمـة «إن» الـشرطیـة ـ حسب ما یستظهر من موارد استعمالـها ـ مخصوصـة بموضع الـشکّ، ولا معنیٰ لـشکّـه تعالـیٰ فی صدقهم.
والـذی یظهر لـی: أنّ أداة الـشرط یختلف مفادها حسب موارد الاستعمال، کما صرّح بـه بعضهم فی الـجملـة، إلاّ أنّ کلمـة «لو» لإفادة الامتناع علیٰ الـوجـه الـمحرّر فی محلّـه، وکلمـة «إذ» و«إذا» لإفادة الـتحقّق فی الاستقبال، وکلمـة «إن» لإفادة إمکان تحقّقـه دون الـشکّ والـجهالـة، وکأنّها وضعت لإفادة الإمکان واطّلاعـه علیـه، فلا تلزم الـجهالـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 313