الأمر الثانی : حول حقیقة الصحّة والفساد وکیفیة اتّصاف المرکّب بهما
قد تحرّر منّا حقیقة الصحّة والفساد وأمثالهما فی المجلّد الأوّل، وفی موضع من المکاسب والبیع.
وإجماله: أنّ ما أشتهر: «من أنّ الطبیعة فی النشأة الذهنیّة والمرکّب فی الوجود الذهنی، لا یوصف بالصحّة والفساد» ممّا لا شبهة تعتریه. وإنّما المرکّب یوصف بهما بعد الوجود، وإنّما الاشتباه من طائفة الاُصولیّین، وما کان ینبغی لمن هو یلمس المسائل العقلیّة؛ وهو أنّ الصحّة أمر انتزاعیّ من مطابقة المأتیّ به مع المأمور به، والفساد فی غیر هذه الصورة.
وأنت خبیر: بأنّ حدّ المرکّبات الاعتباریّة والتألیفیّة حدّ المرکّبات الطبیعیّة، والطبیعیّ یوجد بنفسه فی الخارج، ولا یقاس ولا یطابق بین ما هو الفرد، وما هو الطبیعة والمرکّب، بل المرکّب یوجد بنفسه فی الخارج، فالإنسان یوجد بنفسه فی الخارج، وهکذا الصلاة، ولأجل ذلک یصحّ توصیف ما فی الخارج من الصلاة بـ «الواجب» بعد وجودها، وبـ «أنّها صلاة فریضة وجدت فیه».
وإنّما تختلف المرکّبات من جهة أنّ بعضاً منها زمانیّ، وبعضاً منها تدریجیّ الوجود منطبق علی الزمان، کالمرکّبات العقلائیّة والشرعیّة والابتکاریّة، مثل الأذان والإقامة، فلو کانت الصحّة منتزعة من المطابقة، یلزم أن تکون الأجزاء المعدومة السابقة منشأً لذلک، ودخیلةً فیه، مع أنّ المعدوم المطلق لا شیء، ولا یحکم علیه بشیء، فضلاً عن ذلک. وهذا لیس خافیاً علی العرف کی یقال: إنّ المسألة عرفیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 129 فعلیٰ ما تحرّر، المرکّب الذی اعتبر له الأجزاء، وتعلّق به الأمر، أو اعتبر سبباً أو موضوعاً لأمر آخر، قد یوجد تدریجاً بتمام الأجزاء، فإذا تحقّق فی الخارج ینتزع عنه الصحّة، وإلاّ فلا، فالخارج ظرف انتزاع الصحّة والفساد من غیر کون الصحّة والفساد جزءین، کما أنّ الخارجیّة ینتزع عن الإنسان العینیّ من غیر دخالة الخارجیّة فی ماهیّة ذلک المرکّب، کما تریٰ.
ولنعم ما قیل: «إنّ الصحّة هی التمامیّة» فإنّ معناها هو أنّ المرکّب فی النسبة الذهنیّة وفی مرحلة التهندس، لیس إلاّ نفس الأجزاء الفانیة فی العنوان الواحد، کالحجّ والعمرة والصلاة والوضوء، فإذا اشتغل المکلّف مثلاً بإیجادها وجعلها خارجیّةً، یوجد تدریجاً ذلک المرکّب، فإن حصل فی الخارج بتمامه فقد أوجد الصحیح والتامّ، وإلاّ فلا، وأمّا حین الاشتغال بإیجاده فهو مشغول بإیجاد المرکّب، وقد أوجد إلیٰ تلک الحال الوجود الصحیح والمرکّب بتمامه إلی تلک الحال، وإذا أبطل صلاته وقد أخلّ بإیجاد الوجود الصحیح، ولم یوجد فی الخارج وجوداً صحیحاً کما لا یخفیٰ؛ فإنّ الأسرار تحت التعابیر.
فالصحّة التأهّلیة والشأنیّة بالقیاس إلی الأجزاء الفانیة، من الأغلاط، ودعوی اتصافها بالصفة الاستعدادیّة والقابلیّة والصلاحیة للحوق سائرالأجزاء، أوضح غلطاً.
ولو کان لنا الاعتقاد بما فی کلمات القوم، یمکن الصحّة الفعلیّة بالنسبة إلیٰ تلک الأجزاء بالنسبة إلی الأوامر الضمنیّة؛ ضرورة سقوط تلک الأوامر تدریجاً، فإذا أتیٰ ببقیّة الأجزاء سقط الأمر الضمنیّ الأخیر، وإلاّ ینکشف عدم سقوط الأمر الضمنیّ من الأوّل بتاتاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 130