البحث الرابع
دلالة الآیات علیٰ الاختیار
لایجوز لأحد أن یُنکر دلالـة هذه الآیات الـخمسـة الـطیّبـة علیٰ وجود الاختیار والإرادة والـقدرة، ودخالـة الأشیاء بعضها فی حصول بعض، وشرطیـة شیء لـشیء، فإنّها بأجمعها صریحـة فی صحّـة الأمر والـنهی والـسؤال والـمؤاخذة والـعقاب والـثواب، وأنّ الـهدایـة والـکفر من الإنسان وآدم بالإرادة والاختیار والـتفکّر والـتدبّر، وأنّ الإزلال من الـمختار الـمسمّیٰ بالـشیطان وجـه وسبب للخروج، فیکون هناک قانون الـعلّیـة والـمعلولیـة، فمن ذهب من الأشاعرة إلـیٰ تلک الأباطیل فهو خلاف هذه الـظواهر جدّاً، بعد
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 460 فساد دلیلهم الـعقلی وحجّتهم الـداحضـة، ومن ذهب إلـیٰ أنّ الـکفر والإیمان من اللّٰه بلا سبب، فأیضاً باطل، فإنّ الـنسبـة إلـیٰ الـکفّار والـمؤمنین فی الآیتین: وهما قولـه تعالـیٰ: «وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا»وقولـه تعالـیٰ: «فَمَنْ تَبِعَ هُدَایَ».
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ الـمراد من قولـه تعالـیٰ: «فَإِمَّا یَأْتِیَنَّکُمْ مِنِّی هُدیً»هو الإیمان الـقلبی، وفی مقابلـه من لایأتیـه الـهدیٰ، وهو الـکفر، والـمراد من الاتّباع هو الـتبعیـة لـذلک الـنور فی الأعمال والأفعال، فلا منع من الـقول بأنّ الـکفر والإیمان مخلوقان للّٰه تعالـیٰ.
وفیه: أنّ قولـه تعالـیٰ: «وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا» ظاهر فی أنّ الـکفر أمر یوجب الـتکذیب، فلیس هو نفس عدم الاهتداء وعدم إتیان الـهدیٰ إیّاه بالـضرورة، فهذه الآیـة قرینـة علیٰ أنّ قولـه تعالـیٰ: «فَمَنْ تَبِعَ هُدَایَ» أعمّ من الاتّباع الـقلبی والـقالـبی والـذهنی والـعینی.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 5)صفحه 461