الأمر الثانی : فی أنحاء تداخل المسبّبات
ربّما یقال: إنّ البحث فی تداخل الأسباب إذا انتهیٰ إلیٰ أصالة عدم التداخل، فیکون البحث فی تداخل المسبّبات علیٰ وجه الرخصة، وإذا انتهیٰ إلیٰ أصالة التداخل فیها، فیکون التداخل فی مرحلة الامتثال والمسبّبات علیٰ وجه العزیمة.
مثلاً : إذا ورد الأمر بالصلاة عقیب کلّ واحد من الزلزلة والخسوف، فقال: «إذا تزلزلت الأرض فصلّ رکعتین» و «إذا انخسف القمر صلّ رکعتین» فعلی القول بالتداخل بین الأسباب یکون الواجب واحداً، ولایجوز حینئذٍ الصلاة فی مقام الامتثال مراراً؛ لأنّه من الصلاة بلا أمر.
وعلی القول بعدم التداخل یتعدّد الوجوب والواجب، ویکون المکلّف ذمّته مشغولة بالصلاتین، وحینئذٍ إن قلنا بتداخل المسبّبات یجوز له الاکتفاء بواحدة، کما یجوز له التکرار، فیکون له الرخصة فی ذلک.
وإن قلنا بعدم تداخلها یتعیّن علیه التکرار.
أقول : قضیّة التداخل فی المسبّبات مختلفة؛ فإن قلنا : بأنّ المسبّب المتعدّد وجوباً غیر متعدّد لوناً وخصوصیّة، فیکون الامتثال الأوّل مجزیاً قهراً، وإن قلنا: بأنّه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 76 ذو خصوصیّة فهو فی اختیار العبد والمکلّف، وفی کونه من تداخل المسبّب إشکال، بل هو یدخل فی تداخل بعض المأمور به.
مثلاً: إذا قلنا بأنّ مع تعدّد الأمر بالغسل عند تعدّد سببه، إنّ الغسل الواحد بنیّة واحدة یکفی عن سائرالأغسال، فلایبقیٰ أمربالنسبة إلی الفرد الآخر، فتکون عزیمة.
وأمّا إذا قلنا: بأنّ الکفایة منوطة بتعدّد النیّة فهو وإن کان رخصة، إلاّ أنّه خروج عن تداخل المسبّبات، ودخول فی تداخل بعض المسبّب، وهو العمل دون نیّته التی هی خیر منه، ویکون جزء المأمور به بالضرورة، فلاتخلط، ولا تغفل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 77