الجهة الثالثة : فی موارد إطلاق المطلق والمقیّد
اعلم : أنّه تارة؛ یطلق «الإطلاق والتقیید» فی مباحث الوجود وبالنسبة إلیٰ حقیقته الخارجیّة، فالمطلق هنا بمعنی سعة الوجود وبسطه، والمقیّد هو الوجود المحدود، وهذان الأمران متقابلان بتقابل واقعیّ علیٰ وجه، لا مفهومیّ، ولایندرجان تحت أحکام المفاهیم، والبحث حول ذلک خارج عن الفنّ . وغیر خفیّ أنّهما واقعیّان حینئذٍ، لا إضافیّان.
واُخریٰ : یطلقان فی بحوثه بالنسبة إلیٰ مفهوم الوجود، فهما أیضاً متقابلان، إلاّ أنّهما یشبهان تقابل التضادّ، ولا معنیٰ لاعتبار تقابل العدم والملکة فی باب المفاهیم، کما لایخفیٰ، وهما من النعوت الواقعیّة هنا أیضاً، ویعدّ الإطلاق خارج المحمول لذلک المفهوم.
وثالثة : یطلقان فی مباحث الماهیّة ویقال «تنقسم الماهیّة إلیٰ أقسام ثلاثة: مخلوطة، مطلقة، مجرّدة» ومقتضیٰ هذا التقسیم کون الماهیّة ذات اعتبار آخر المجامع مع کونها مقسماً، غافلین عن عروض المقسمیّة، وعن اعتوار هذا الطارئ، فإنّه به یلزم الخلف، وتصیر مخلوطة.
وعلیٰ هذا من توهّم : أنّ اعتبار المقسمیّة ، واعتبارَ الفراغ عن القسمیّة والمقسمیّة متخالفان، فقد اشتبه علیه الأمر ؛ لأنّ اعتبار الفراغ عنهما أیضاً خلط بهما، فیکون هذا دائراً مدار اللحاظ.
فما هو المقسم هنا مثل ماهو المقسم فی تقسیم الکلمة، فکما لایکون المقسم اسماً ولا فعلاً ولا حرفاً فی ذاتها بذاتها، کذلک المقسم فی هذه الأقسام،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 400 وکما یعتبر التغافل عن المقسمیّة حین الاقتسام، کذلک الأمر هنا؛ للزوم الخلف.
وهذان إن لوحظا فی عالم المفهومیّة، فیکونان متقابلین تقابل التضادّ علی الأشبهة، وإذا نظرنا إلیٰ خارجیّتهما وما فی الحرکة المتدرّجة، فالنسبة من تقابل العدم والملکة، والبحث عن هذا أیضاً خروج عن طور الکتاب، وقد فصّلنا ذلک فی «قواعدنا الحکمیّة».
والذی هو مورد النظر هنا توضیح أنّ الإطلاق الثابت فی التقاسیم، بین ماهو الإطلاق الواقعیّ غیر الملحوظ، کالإطلاق الثابت لطبیعة الإنسان، ولطبیعة الحیوان وهکذا، وهذا إطلاق ینتزع من مقام ذات الماهیّة، ویکون من خارج المحمول، ومن ذاتیّ باب البرهان، بخلاف الإطلاق الموصوفة به الماهیّة المعبّر عنه بـ «اللابشرط القسمیّ» فإنّه من المحمول بالضمیمة.
وهذا هو تمام الفرق والامتیاز بین اللابشرط المقسمّی والإطلاق المقسمیّ، واللابشرط والإطلاق القسمیّ، وهذا الإطلاق من الأوصاف الواقعیّة غیر المختلفة باختلاف الموضوعات واللحاظات.
وبین ماهو الإطلاق الإضافیّ والنسبیّ، ویکون أیضاً من المحمول بالضمیمة، وهو کإطلاق الرومیّ والزنجیّ، فإنّه أیضاً ینقسم إلیٰ أقسام وأصناف، ولکن مجرّد طروّ التقسیم لایشهد علی الإطلاق الذاتیّ، کما هو ظاهر.
ومن هذا القبیل إطلاق الرقبة المؤمنة، وإطلاق البیع الربویّ والغرریّ وهکذا، فإنّ کلّ مقیّد مطلق بالإضافة إلیٰ ما یزید علیه ویمکن أن یلحقه.
ثمّ إنّ النسبة بین الإطلاق الذاتیّ الواقعیّ والتقیید العرضیّ، تشبه تقابل التضادّ، ولیسا متضادّین فی الاصطلاح، والنسبة بین الإطلاق العرضیّ والتقیید الإضافیّین، تشبّه بتقابل العدم والملکة، ولیسا منه حسب الواقع حتّیٰ یترتّب علیه آثاره. ومن تلک الآثار المتوهّمة القاعدة المعروفة «کلّما امتنع التقیید امتنع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 401 الإطلاق» وقد مرّ منّا فسادها فی مباحث التعبّدی والتوصّلی.
وبالجملة : هذه القاعدة تتمّ إذا کان التقابل بینهما من العدم والملکة واقعاً، کما فی المتدرّجات الخارجیّة والمتمکّنات بالإمکان الاستعدادیّ، وأمّا فی الاُمور الاعتباریّة والأوصاف الإضافیّة فلا متحرّک، ولا مادّة حاملة للإمکان الاستعدادیّ، کما هو غیر خفیّ علیٰ أهله.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 402