المبحث السادس فی اقتران العامّ بما یصلح للقرینیّة
لاشبهة فی حجّیة العمومات، کما لاشبهة فی عدم حجّیتها فی مورد التخصیص ومع قیام القرینة المنفصلة علیٰ عدم الإرادة الجدّیة بالنسبة إلیٰ تمام المضمون، ومن القرائن المنفصلة الخاصّ ودلیل التقیید.
وإنّما الشبهة والبحث فیما إذا کان الکلام والقانون مشتملاً علیٰ ما یصلح للقرینیّة، فإنّه هل یضرّ ذلک بانعقاد العامّ وتمامیّة حجّیته بالنسبة إلیٰ تمام مضمونه، أم لا ؟
أو یفصّل بین المتّصل والمنفصل، وبین المبانی المحرّرة سابقاً، فإنّه إن قلنا: بأنّ حجّیة العامّ فی العموم الأفرادیّ مستندة إلی الدلالة اللفظیّة فلایضرّ، وإن کانت مستندة إلیٰ مقدّمات الحکمة فیضرّ؟
هذا ما أردنا بحثه فی المقام، وتصیر المسألة بناءً علیه ذات جهتین:
الاُولیٰ : فی کبراها؛ وهی أنّ ما یصلح للقرینیّة فی العمومات هل یضرّ بانعقادها حجّةً علی العموم الأفرادیّ، أم لا؟
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 347 الثانیة : فی صغراها؛ وهی أنّ الکلام الکذائیّ والقانون الوارد فی المسألة الکذائیّة، هل یشتمل علیٰ ما یصلح ، أم لا؟
مثلاً : قوله تعالیٰ : «وَالْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَیَحِلُّ لَهُنَّ أنْ یَکْتُمْنَ...» إلیٰ قوله تعالیٰ: «وَبُعُولَتَهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فی ذلکَ إن أرادوا إصلاحاً» هل العامّ الوارد فی صدر الآیة تتمّ حجّیته فی العموم الأفرادیّ مع وجود ما یصلح للقرینیّة فی ذیلها، فإنّ «وَبُعُولَتَهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» مشتمل علی الضمیر الراجع إلی المطلّقات، مع عدم ثبوت الأحقّیة بالردّ لمطلق المطلّقات، أم لایصلح لذلک، ولو کان صالحاً لایضرّ مثلاً؟
وهکذا قوله تعالیٰ: «وَالَّذِینَ یَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ یَأتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِینَ جَلْدَةً وَلاَتَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدَاً وَاُولٰئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إلاَّ الَّذِینَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذٰلِکَ وَأصْلَحُوا فَإنَّ الله َ غَفُورٌ رَحِیمٌ» فإنّه هل الاستثناء الوارد بعد تلک العمومات إذا لم یکن یرجع إلیٰ جمیعها، فهل یضرّ بانعقاد العموم بالنسبة إلیٰ غیر الأخیر، أم لا؟
وهنا بحث آخر: وهو أنّه لو قلنا بعدم معلومیّة رجوعه إلی الأخیر، فهل یرجع الکلام إلی الإجمال ویؤخذ بمقتضی العلم الإجمالیّ فی مورد یکون له الأثر، وإلاّ فهو بالخیار؟ کما لایخفیٰ.
إذا تبیّن المقصود بالبحث، یظهر ضعف ما صنعه الأعلام فی المقام من البحث تارة: عن العامّ المتعقّب بالضمیر، واُخریٰ: عن العمومات المتعقّبة بالاستثناء، فإنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 348 تعدّد المسألة وإن کان بتعدّد الموضوع والمحمول أحیاناً، أو بتعدّد الموضوع أو المحمول، ولکن إذا کان بین المسألتین مثلاً الجهة الجامعة، مع وحدة المناط والبرهان، فلابدّ وأن ترجعا إلیٰ واحد، وإلاّ یلزم أن لاتتناهیٰ مسائل العلم، ولأجل ذلک تکون صغریات هذه المسألة، أکثرَ من الفرضین اللّذین وقعا فی محطّ البحث فی کتبهم الاُصولیّة، فإنّ منها ما إذا کانت العمومات الواردة متعقّبة بالمخصّص المتّصل، أو وردت العمومات وفاتت القرینة علیٰ أنّ العامّ الأوّل تکون «الألف واللام» فیه من العهد الذکریّ، فهل ذلک یوجب قصور العمومات الاُخر عن العمومیّة الاستغراقیّة أم لا، وهکذا؟
ویظهر هنا أمر آخر وقعوا فیه: وهو أنّ ما جعلوه مورد النظر من العامّ المتعقّب بالضمیر الراجع إلیٰ طائفة من العامّ الأوّل، ثمّ بحثوا عن تعارض أصالة العموم فی الصدر، مع أصالة عدم الاستخدام فی الذیل، کلّه غیر تامّ، وقد اُشیر فی کلماتهم إلیٰ أنّ ذلک لیس من الاستخدام المصطلح علیه فی علم البدیع، وعلیه یسقط البحث بالمرّة.
مع أنّ الأمر لیس کذلک، فإنّه ولو لم یکن من الاستخدام کقول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رعیناه وإن کانوا غضاباً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 349
إلاّ أنّ الجهة المبحوث عنها باقیة علیٰ حالها؛ ضرورة أنّ مع قیام القرینة القطعیّة علی أنّ الأحقّیة بالردّ من أحکام المطلّقات الرجعیّات، یلزم الإشکال فی انعقاد العموم لقوله تعالیٰ: «وَالْمُطَلَّقَاتُ...» فافهم واغتنم.
إذا عرفت أطراف المسألة والجهة المبحوث عنها فی المقام، وتبیّن سقوط مسیر الأفاضل والأعلام قدس سرهم، یقع الکلام فی جهتین :
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 350