الجهة الثانیة : فی أنّ نزاع المفهوم صغرویّ أو کبرویّ
ربّما یستظهر من کلام الأقدمین؛ أنّ النزاع کان فی حجّیة المفهوم.
وقیل : «إنّ البحث عن حجّیته راجع إلی البحث عن حجّیة الظواهر، ویندرج فی تلک المسألة، والنزاع هنا لیس کبرویّاً، بل یکون حول أنّ القضیّة المشتملة علی الخصوصیّة والقید لها المفهوم، أم لا، فیکون النزاع صغرویّاً».
واختار السیّد البروجردیّ قدس سره من المتأخّرین کبرویّة النزاع؛ لما مرّ منه من أنّ الکلام فی هذا الفنّ حول المفاهیم غیر المستندة إلی الوضع وإحدی الدلالات، فیکون خارجاً عن بحوث الظواهر، ویرجع إلی دلالة فعل المتکلّم المختار المرید ـ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 8 الذی أخذ فی کلامه الخصوصیّة والقید ـ علی الانتفاء عند الانتفاء.
وکأنّه قدس سره تحفّظاً علیٰ ما أخذه موضوعاً للعلم، اعتبر کبرویّة النزاع، وإلاّ یلزم خروج هذا المقصد من علم الاُصول.
وأمّا المتأخّرون فلا یضرّهم البحث الصغرویّ؛ ضرورة أنّ المفهوم بعد ثبوته یصحّح الکبری لقیاس الاستنتاج، وحجّة بالحمل الشائع علی المسألة الفرعیّة.
والذی هو التحقیق هو التفصیل، فما کان من المفاهیم مستفاداً من إثبات العلّیة التامّة المنحصرة فی جانب المنطوق، فذلک المفهوم حجّة، ولیس مندرجاً فی بحث الظواهر؛ لأنّها محلّ الخلاف حجّیتها، بخلاف هذا المفهوم، فإنّ حجّیته قطعیّة، ولیست قابلة للخلاف؛ للزوم الخلف کما هو الواضح.
بل حجّیة المفهوم فی هذا الفرض لیست قابلة للسلب، بخلاف حجّیة القطع، فإنّها قابلة للسلب، کما تحرّر منّا فی بحوث الإجزاء، ویأتی فی محلّه وأنّ ما اشتهر «من أنّ حجّیة القطع ذاتیّة» ممّا لا أساس له.
نعم، حجّیة المفهوم بعد کون المنطوق دلیلاً علی علّیة الشرط للجزاء علّیة تامّة منحصرة لیست قابلة للسلب.
وأمّا دعویٰ : أنّها ذاتیّة، فهی غیر صحیحة حسب الاصطلاحات فی إطلاقات «الذاتیّ» فی أبواب الإیساغوجی والبرهان. هذا هو القسم الأوّل من المفاهیم.
وأمّا الطائفة الثانیة منها، فهی التی تستفاد من المنطوق حسب الأفهام العرفیّة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 9 من غیر دلالة المنطوق علی العلّیة التامّة المنحصرة، فهذه تکون قابلة للجعل، وتکون قابلة للخلاف، ولیست مندرجة فی الظواهر بنحو الإطلاق، فلایکفی النزاع الآتی فی الظواهر عن هذا النزاع.
مثلاً : إذا قلنا؛ بأنّ للجملة المغیّاة مفهوماً، والمفهوم مستفاد من أخذ الغایة عرفاً، فهو لیس من أنحاء مدالیل الکلام حتّیٰ یکون من الظواهر کما عرفت، بل هو ربّما یستند إلیٰ بعض الجهات الاُخر، مثل اللغویّة، واللالغویّة، فلابدّ من عقد البحث عن حجّیته بعد فرض ثبوته، ولایکفی مجرّد ثبوته، فهناک نزاعان:
أحدهما : صغرویّ؛ وهو أنّ للجملة الشرطیّة والوصفیّة مفهوماً، أم لا؟
ثانیهما : صغرویّ وکبرویّ من جهتین؛ صغرویّ لأجل البحث عن أصل وجود المفهوم للغایة، وکبرویّ لأجل البحث عن حجّیته بعد ثبوته؛ لأنّه ربّما لایکون من اللازم البیِّن، بل یکون من مدالیل الکلام حسب المتعارف فی محیط التقنین.
نعم، کما لایکون النزاع عن حجّیة الظواهر من النزاع العقلائیّ؛ لوضوحها، کذلک الأمر هنا، فلا تخلط.
وهناک طائفة ثالثة: وهی المفاهیم الموافقة، فإنّ النزاع فیها مثل الطائفة الثانیة أیضاً، کما تریٰ.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ فی الطائفة الثانیة أیضاً یرید القائل بالمفهوم إثبات انحصار موضوع الحکم بما فی المنطوق، ونتیجة ذلک سلب سنخ الحکم عن الموضوعات الاُخر، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 10