فذلکة الکلام : فی العموم والخصوص
وهی أنّهما إن کانا متخالفین بالسلب والإیجاب، فیقدّم الخاصّ، ویخصّص به العامّ فی جمیع الصور؛ حتّیٰ فی صورة تقدّم الخاصّ، وورود العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ، فضلاً عمّا إذا کانا متقارنین وفی الکلام الواحد، إلاّ إذا کان الخاصّ المتقدّم فیه قرینة صالحة علیٰ صرف العامّ المتأخّر.
وإن کانا متوافقین فی السلب والإیجاب، فإن کانا فی الکلام الواحد فالأخذ بالعامّ مشکل؛ لأجل احتیاجه إلیٰ مقدّمات الإطلاق، کما فی المطلقات.
وأمّا إن قلنا بعدم الحاجة إلیها، فجریان أصالة التطابق مع وجود ما یصلح للقرینیّة فی الکلام الواحد، محلّ المناقشة. ولو أمکن صرف النظر عنها فالمتعیّن هو التخصیص فی صورة تقدّم العامّ وصدوره فی صدر الکلام.
وأمّا إذا کان العامّ فی ذیله، فإن کان من الجمع المحلّیٰ بـ «الألف واللام» فقوّة کونه حینئذٍ من العهد الذکریّ أیضاً یمنع عن انعقاد العموم، وأمّا لو کان من قبیل «الکلّ» ونحوه فالتخصیص غیر بعید، فلیتدبّر.
وإن کانا فی الکلامین المستقلّین، ولم یکن بینهما أداة الربط والنظر الخاصّ، فالتخصیص ممنوع مطلقاً.
نعم، إن کان العامّ مقدّماً یحمل الخاصّ إمّا علی الفرد الأکمل، أو علیٰ بیان أحد مصادیق العامّ، ولا قوّة لظهور القید، کما اُشیر إلیه.
وإن کان مؤخّراً یؤخذ بالعامّ، ویطرح ظهور قید الخاصّ فی القیدیّة.
وربّما لایحتاج إلیٰ طرح القید؛ لعدم تعنون الموضوع فی الخاصّ بالقید، بل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 364 تکون الأخصّیة لأجل ذات الموضوع، کما إذا ورد «أوفوا بالنذور والأیمان» ثمّ ورد: «أوْفُوا بِالْعُقُودِ» فإنّه بلا شبهة یؤخذ بالعموم إن انعقد العموم فی الفرض المزبور، ولم نقل بانصرافه إلی العهد المذکور، کما إذا ورد بعد الأمر بالخاصّ «أوفوا بکلّ عقد» فإنّه یؤخذ بالعامّ قطعاً ولو کان تأریخ صدوره قبل مضیّ وقت العمل بالخاصّ؛ ضرورة أنّ ضرب القانون المزبور، لابدّ وأن یکون لأجل جهة من الجهات، ولو حمل علی الخاصّ السابق لما کان فیه أثر ظاهر عند العرف والعقلاء.
وأمّا حمل هیئة العامّ المتأخّر علی الندب؛ بدعویٰ ظهور القید والخصوصیّة ذلک، فهی غیر صحیحة فی محیط التقنین.
ثمّ إنّ حمل کلّ واحد من العامّ والخاصّ علی التأسیس، معناه أنّ اللازم فی مقام الامتثال تعدّد الفرد الممتثل به، مثلاً إذا ورد «أعطِ کلّ عالم درهماً» ثمّ ورد «أعط کلّ عالم عادل درهماً» فإنّ قضیّة الهیئة وجوب إعطاء الدرهمین إلی العالم العادل؛ لانطباق العنوانین علیه، واقتضاء کلّ هیئة تأسیسیّة أثرها الخاصّ. اللهمّ إلاّ أن یقال بالتداخل.
وأمّا إذا فرضنا أنّ واحداً منهما لیس تأسیسیّاً، فیکون الحکم واحداً، فتعیین ذلک الواحد فی الخاصّ یحتاج إلی مؤونة خاصّة، وإلاّ فالمتعیّن هو العامّ أخذاً بهیئته، وحمل الخاصّ علیٰ بیان الفرد الأکمل أو أحد مصادیقه کما عرفت، ولاسیّما إذا کان العامّ متأخّراً عن وقت العمل بالخاصّ.
ومن هنا یظهر مواضع الضعف فی کلمات القوم، وفی کلام جدّ أولادی العلاّمة الحائریّ قدس سره فی «الدرر» فلیراجع.
ویظهر أیضاً : أنّه لا تصل النوبة بناءً علیٰ ما قرّبناه، إلی الاُصول العملیّة عند
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 365 الشکّ فی تأریخهما؛ لما لا أثر فی التقدّم والتأخّر.
نعم، بناءً علی القول بأنّ العامّ المتأخّر ناسخ، والخاصّ المتأخّر مخصّص، وهکذا علیٰ بعض الوجوه الاُخر، فإن أمکن الإحراز فهو، وإلاّ فتصل النوبة إلی الاُصول العملیّة.
وتوهّم إمکان إحراز ذلک بالاستصحاب، فیه ـ مضافاً إلی المناقشات فی أصل جریانه، أو فی معارضته ـ أنّ کفایة ذلک الإحراز فی محیط الاُصول اللفظیّة قابلة للمنع، کما یمکن دعوی انصراف أدلّة حجّیة الاستصحاب عن هذه المواقف.
تنبیه : هذا ماهو نتیجة المرام فی أساس الجمع بین الخاصّ والعامّ، من غیر النظر إلیٰ مسألة السند وقطعیّته وظنّیته، وکیفیّة تعارض الأدلّة، وأدلّة حجّیة الأسانید، فإنّ الظاهر أنّ کلّ ذلک ممّا لا محصّل له.
کما لا محصّل للقول: بأنّ تقدیم الخاصّ علی العامّ من قبیل الحکومة، أو الورود، أو التفصیل بین الخاصّ القطعیّ والظنّی، وتفصیل المسألة من هذه الجهة یطلب من بحوث التعادل والترجیح. هذا تمام الکلام فی تعارض العامّ والخاصّ منطوقاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 366