المرحلة الاُولیٰ : فی تشخیص مصبّ التعارض
فی أنّ التعارض المتراءیٰ بینهما هل یکون بین مفهوم کلّ مع منطوق الآخر، أم یکون بین المنطوقین، أم اختلاف المبانی یوجب اختلافاً فی ذلک؟
قال الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : «الظاهر هو الثانی علیٰ جمیع المبانی فی استفادة المفهوم:
فعلیٰ کون الدلیل هو التبادر أو الانصراف، فالتنافی بین المنطوقین واضح؛ لأنّه یرجع القضیّة کأنّها إلی الصراحة: بأنّ العلّة المنحصرة للقصر هو خفاء الأذان.
وعلی کون الدلیل هو الإطلاق، فیقع التعارض بین أصالتی الإطلاق فی الجملتین» انتهیٰ.
أقول : قد عرفت فیما مضیٰ فی التنبیه السابق: أنّ بعد ثبوت الإطلاق، وأخذ المفهوم، وبعد قابلیّته للتقیید عرفاً مع الغفلة عن حال المنطوق، یکون مرجع التقیید هو إطلاق المفهوم حسب العرف؛ وإن کان یرجع إلیٰ تقیید المنطوق حقیقة حسب الصناعة. هذا أوّلاً.
وثانیاً : للقائل بالتبادر والانصراف إنکار المفهوم عند تعدّد الشرط، وکأنّه یریٰ أن المتبادر من الأداة الشرطیّة أو الهیئة انحصار العلّة حقیقة، فلو تبیّن ثبوت العلّة الاُخریٰ للمحمول فی التالی، تبیّن سقوط تبادره وانصرافه. ولا یقول بتبادر الانحصار من مجموع العلّتین، أو انصرافه منهما، فربّما تختلف المسالک علی اختلاف المبانی، فینکر المفهوم رأساً من کان یستند فی إثباته إلیٰ مثل التبادر والانصراف.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 56 نعم، علی القول بالإطلاق فلاتختلف المسالک فی تقریب الإطلاق؛ لإمکان تقییدها بمقدار الدلیل المقیّد، فلاحظ.
وبالجملة : یمکن أن یختلف باختلاف المبانی.
نعم، إن کان من یدّعی التبادر أو الانصراف، یقول بتبادر العلّة التامّة المنحصرة الأعمّ من الانحصار الحقیقیّ والإضافیّ، أو بانصرافها إلیه، فلابدّ من اختیار المفهوم لنفی علّیة الأمر الثالث والخصوصیّة الثالثة.
فما ربّما یتوهّم : من أنّ تقیید المنطوق بعد کون مفاده العلّة المنحصرة الأعمّ من الانحصار الحقیقیّ أو الإضافیّ، لایرجع إلیٰ محصّل؛ لأنّ قضیّة دعوی التبادر والانصراف ومقتضی الإطلاق ـ حسب کلّ قضیّة شرطیّة ـ هو الانحصار الأعمّ، ولکنّه إذا لم یکن فی البین علّة ثانیة فهو حقیقیّ، وإذا کان هناک علّة ثانیة فهو إضافیّ.
ولکن بعد اللتیّا والتی، الدعوی المزبورة وهی تبادر المعنی الأعمّ من الحقیقیّ والإضافیّ، مشکلة جدّاً، بخلاف الانصراف؛ ضرورة أنّ الموضوع له لابدّ وأن یکون فارغاً من الأمر المردّد، فتأمّل تعرف.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 5)صفحه 57