المبحث الثامن
حول ظهور الآیة فی غیر المنافقین
لأحد أن یقول: إنّ هذه الآیـة ـ مع قطع الـنظر عن الآیات الـلاحقـة ـ لیست ناظرة الـیٰ حال الـمنافقین، بل الـمستظهر منها هی حال الـذین یقولون ویظهرون الإیمان، ویشهدون بالـشهادتین أو الـشهادات، إلاّ أنّـه مجرّد لـقلقـة الـلسان وإظهار بالـبـیان؛ من غیر عقد قلبیّ الـذی هو من الأرکان، ومن غیر رسوخ فی الأعیان والأذهان.
وبهذه الـخصیصـة ربّما یُشعر اختلاف سیاق الآیـة صدراً وذیلاً؛ حیث یقول: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِالله ِ وَبِالْیَوْمِ الاْخِرِ»، ویظهرون ذلک حسب
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 260 الـخیال والـوهم، إلاّ أنّهم لـیسوا بمؤمنین، فإنّ من یصدق علیـه الـمؤمن هو الـراسخ فی نفسـه مَلَکةُ الإیمان، والـثابت فی قلبـه شجرةُ الإیقان بالـشهادة والـوجدان، أو بالـدلیل وبالـبرهان، لا بالـلسان والـهذیان.
وعلیٰ هذا تکون هذه الـکریمـة علیٰ مثابـة قولـه تعالـیٰ: «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الإِیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ».
هذا، ولکن الـرجوع الـیٰ الآیات الآتیـة، تعطی أنّ هذه الـکریمـة تصدّت لبـیان حال الـمنافقین، الـذین لا یکون الإیمان ولا الإسلام فی نفوسهم علیٰ سبـیل الـحالـة ولا الـملکـة، بل کان ذلک لإضلال الـمؤمنین والـتعمیـة علیٰ الـمسلمین؛ حسب تسویلاتهم الـشیطانیـة وخُدَعهم الـباطلـة.
وقد مرّ ـ بناء علیٰ هذا ـ ما یکون سبباً لـلالتفات من الـجملـة الـفعلیـة الـیٰ الـجملـة الاسمیـة فی الـبحوث الـماضیـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 261