حول إعراب «سواء»
یخطر بالـبال فی بدو الـمقال إشکال: وهو أنّ الـظاهر کون «سواء» مبتدأ وما بعده خبره، والـجملـة فی محلّ الـرفع خبراً لـ «إنّ»، والابتداء بالـنکرة بلا مسوّغ غیر جائز، ولیس من الـمسوّغات فی الـکلام شیء ظاهر، ولأجل مثل هذه الـشبهـة قالـوا: فی ارتفاع «سواء» وجهان، بل قولان:
أحدهما: ارتفاعـه علیٰ الـخبریـة لـ «إنّ»، والـجملـة الـفعلیـة فی موضع الـرفع بـه علیٰ الـفاعلیّـة، وکأنّـه قیل: إنّ الـذین کفروا مستوٍ علیهم إنذارک وعدمـه.
الثانی: أن تکون الـجملـة الـفعلیـة فی موضع الابتداء، و«سواء» خبر مقدّم، والـجملـة خبر لـ «إنّ» ، وقال الـفخر: الـوجـه الـثانی أوجـه؛ لأنّ سواء اسم لاینزل منزلـة الـفعل إلاّ تأوّلاً. انتهیٰ.
أقول: قد غفلوا عن الـجملـة الأخیرة ، وهی قولـه تعالـیٰ:
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 112 «لاَیُؤْمِنُونَ» ، فإنّ الآیـة کأنّها هکذا: إنّ الـذین کفروا لایؤمنون أنذرتهم أم لم تُنذرهم، فسواء معنیً اسمی یستفاد من همزة الـتسویـة، ولا حاجـة الـیها فیما هو الـمقصود فی الآیـة. نعم جیء بها تأکیداً لمعنیٰ الـهمزة، وتکون خبراً حُذف مبتدؤه، وهو الـضمیر الـمستـتر فیـه؛ لأنّـه بمعنیٰ الـمستوی، کما هو الـظاهر، فالـمعنیٰ هکذا: إنّ الـذین کفروا لایؤمنون أأنذرتهم أم لم تُنذرهم هو سواء، والـعجب أنّهم یعتقدون أنّ الـجملـة الـفعلیـة الـتصدیقیّـة فی موضع الـفاعل، فإنّـه لایمکن إلاّ إذا رجع الـیٰ معنیً تصوّری إفرادی. هذا، مع أنّ مفاد سواء والـهمزة واحدٌ، فلا معنیٰ لأخذ أحدهما مبتدأً والآخر خبراً لرجوعـه الـیٰ الـحمل الأوّلی الـغیر الـمتعارف فی الـعلوم والاستعمالات.
ثمّ إنّ الـمحرَّر لدیٰ الـمحقّقین: جواز الابتداء بالـنکرة إذا کان الـنظر الـیٰ معنیً لایحصل إلاّ بـه، مثلاً إذا اُرید الإخبار عن أنّ واحداً من جنس الـرجال خیر من واحد من جنس الـنساء، فیقال: رجل خیر من امرأة، ولکن فیما نحن فیـه لیس «سواء» مبتدأ؛ لأنّـه لایرید الإخبار عن الـتسویـة، بل یرید الإخبار عن أنّ الإنذار وعدمـه سواء، فهو بحسب الـواقع خبر وإن کان مقدّماً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 113