بعض بحوث کلامیّة
اختلفت الأشاعرة والـمعتزلـة: فی تجویزهم تعذیب الله تعالـیٰ عباده علیٰ ما یصنعون. فقالـت الـمعتزلـة: یجوز لأنّهم الـفاعلون بالاختیار، وأنکر علیهم الأشاعرة هذه الـمقالـة، ولکنّهم یجوّزون مع ذلک تعذیبـه تعالـیٰ؛ لأنّـه فاعل ما یشاء فی ملکـه، وهذه الآیـة ربما تدلّ علیٰ ما اختاروه؛ لأنّ الـمرض الـذی زادهم هو الـکفر وعدم الإیمان، فإنّ الآیـة الـشریفـة فی سلک الآیات الـواردة فی الـمنافقین، الـذین هم الـکفّار حسب الـواقع، وفی قلوبهم مرض، وهو الـکفر، وازداد ذلک بفعل الله تعالـیٰ، ومع ذلک یعذّبهم الله بما کانوا یکذبون.
وفیـه: ـ مضافاً الـیٰ فساد مرامهم ـ أنّ الـقرآن ناطق بأنّ الـمرض الـذی فیهم لـیس من صُنع الله تعالـیٰ، وما هو منـه تعالـیٰ هو الـزیادة، وربّما لا تکون الـزیادة إلاّ موجباً لـتوغّلهم فی ظلمات بعضها فوق بعض، ولا توجب بقاءهم فی کفرهم، فلو کان الـمراد من الـمرض ـ علیٰ الـفرض ـ هو الـکفر لا
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 365 تدلّ الآیـة علیٰ أنّ الله تعالـیٰ یفعل فیهم الـکفر، بل یزیدهم من غیر إیجاب منـه لـلکفر.
هذا، مع أنّ لـنا الأجوبـة الاُخریٰ الـکثیرة الـمعلومـة ممّا مرّ فی الـبحوث الـسابقـة من الاحتمالات فی الآیـة، وفی تفسیر صاحب «الـحکمـة الـمتعالـیـة» إطالـة من غیر حاجـة.
ربّما یستدلّ بهذه الآیـة علیٰ فساد مقالـتهم؛ ضرورة أنّ الـظاهر من قولـه تعالـیٰ: «فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ الله ُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ»، هو أنّ استحقاقهم لـلعذاب لأجل الـکفر الـغیر الاختیاری، أو لأجل الـزیادة الـمصنوعـة فیهم، فتکون الآیـة دلیلاً لـهم، ولکن مع ذلک قال الله تعالـیٰ: «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْذِبُونَ»، فیعلم منـه أنّ الـعذاب الألیم من تبعات کذبهم أو تکذیبهم لا الـمرض، فإنّـه أمر یحصل فی وجودهم بغیر اختیار وهذا من الـشواهد علیٰ أنّ الـمراد من الـمرض لـیس خصوص الـکفر، بل الـمرض هی الـنقطـة الـسوداء الـمنتهیـة الـیٰ الـکفر، وعدم الإقبال قلباً علیٰ الإیمان والإسلام.
وبالجملة: تدلّ الآیـة ـ حسب الـظاهر، وحسب عدولـه عن وجـه استحقاقهم الـذاتی الـیٰ الـفعلی ـ أنّ الله تبارک وتعالـیٰ لا یعذّب إلاّ علیٰ الـفعل دون غیره، فتأمّل جیّـداً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 366