البحث الخامس
وجه عدم إتیان السمع جمعاً
قیل فی وجـه إتیان الـقلب جمعاً وهکذا الأبصار، دون الـسمع: إنّ ذلک باعتبار الـکثرة الـموجودة فی الـمُدرَکات الـعقلیـة والـمحسوسات الـبصریـة، بخلاف الـسمع، فإنّـه لا یُدرک إلاّ الـصوت. وبتعبـیر آخر: لا یتعلق إلاّ بالأمواج والارتعاشات الـتی کلّها من صنف واحد ونوع فارد. ویمکن أن یقال: إنّ فی کلمـة «الأسماع» نوع اشمئزاز أفرادی وتنافر سمعی.
وقد تداول فی الـکتاب الإلهی إفراد بعض الألفاظ وجمع ألفاظ اُخر تقابلها، کالـنور والـظلمات، والأرض والـسموات، وغیر ذلک، ویمکن أن یکون ذلک فی هذه الآیـة رمزاً الـیٰ أنّ الـسمع من متعلّقات الـجملـة الـسابقـة، فإنّ فی تغیـیر الاُسلوب منافع کثیرة تأتی فی محالّها ـ إن شاء اللّٰه تعالیٰ ـ أو إشعاراً بأنّ بین الـقویٰ الإحساسیـة، تکون الـسامعـة أقویٰ وأقرب الـیٰ الـوحدة من الـبصر والـباصرة، مع أنّ فقد الـسامعـة فقد الـناطقـة، بخلاف الـباصرة، ومع أنّ الانتباه والاستیقاظ من الـنوم لا یمکن بالـباصرة، بخلاف الـسامعـة، فکأنّها
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 187 لا تموت بالـمرّة وإن کان تضعف وتنام الاُذُن، هکذا فی بعض أحادیثنا.
ومن الـعجیب ـ ولا یؤسف علیـه ـ ما علیـه أکثر الـمتکلّمین، وهو تفضیل الـبصر علیٰ الـسمع؛ لأجل أنّ الـسمیع لا یدرک إلاّ الأصوات والـکلام، والـبصیر یدرک الأجسام والألوان والـهیآت کلّها، قالـوا: فلما کانت تعلّقاتـه أکثر کان أفضل، وأجازوا الإدراک بالـبصر من الـجهات الـستّ.
وأنت خبـیر بما فیـه من الأغلاط الـعجیـبـة، والأعجب أنّ کثرة تعلّقاته توجب أضعفیـة وجوده وأکثریـة الـشروط الـلازمـة فی الإحساس بـه.
وبالجملة: ما هو مناط الـقوة والـضعف قلّـة الـشرائط وکثرتها، ومن الـواضح أنّ الإحساس بالـسامعـة أقلّ شرطاً من الإحساس بالـبصر.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 188