البحث الثالث
حـول الاستهزاء العینیة
ومن تلک البحوث: أنّ فی استناد الاستهزاء الـیـه تعالـیٰ إعلاماً: بأنّ للاستهزاء مصادیق لـفظیـة وفعلیـة وعینیـة: أمّا الـلفظیـة والـفعلیـة فهی واضحـة؛ لـسریانها بین أبنائنا بعضهم لـبعض.
وأمّا الـعینیـة منها حتّیٰ یُصحَّح نسبـة الاستهزاء الـیـه تعالـیٰ، فهو الاعوجاج الـحاصل لـلعبد حین الـحرکـة من الـفطرة الـمخمورة والـطینـة الأوّلیـة الإلهیـة الـیٰ الـطینـة الـخبـیثـة الـمحجوبـة الـجحیمیـة، مثلاً: إذا سأل عن دار صدیق فهداه شخص الـیها بإیصالـه الـیٰ وسط الـطریق، ثمّ اعوجّ وانحرف الـیٰ دار اُخریٰ، فإنّـه یقال: قد استهزأ ولعب بـه.
وهذا هو بعینـه حال الـمنافق، فإنـه بلسان ذاتـه یسأل عن الـجنّـة الـتی هی دار الـمتّقین، فیهدیـه ربّـه بحسب أصل الـفطرة الإلهیـة الـیٰ تلک الـدار الـباقیـة، ولکن فی أثناء الـسبـیل ینعاج عن الـطریق وینحرف عن الـصراط الـسویّ، وینتهی الـمنافق الـیٰ دار الأشرار والـشیاطین، فهل هذا غیر الاستهزاء؟! فاستهزاؤه تعالـیٰ من الأعیان الـخارجیـة، ولأجل ذلک ربّما کان یصحّ الاستناد الـیـه تعالـیٰ وإن کان مبدأ الانحراف ـ کما تقرّر وتحرَّر ـ سوء الاختیار وخبث الأسرار الناشئ هو أیضاً أحیاناً من الفعال الباطلة أیضاً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 543