الوجه الثانی
حـول تکرار القول بالإیمان
ربّما یُشکل الأمر فی قولـه تعالـیٰ: «قَالُوا آمَنَّا»؛ لِلزوم الـتکرار لما مرّ قولـه تعالـیٰ: «ومِنَ النَّاسِ مَنْ یَقُولُ آمَنَّا بِالله ِ ...» الـیٰ آخره، ولأجل ذلک اختلفوا فی الـمفعول الـمحذوف بما لا یرجع الـیٰ محصّل: من أنّهم فی الاُولیٰ أرادوا الإخبار عن الإیمان بالله وبالـیوم الآخر، وهنا عن أصل الإیمان، ومن أنّ الـمحذوف ـ بشهادة أنّهم الـیهود ـ هی الـتوراة، وقد ارتکبوا الـتوراة بحذفـه، ومن أنّ إظهار الإیمان فی الآیـة الاُولیٰ نفاق لـلخداع، وفی الـثانیـة نفاق للاستهزاء، وغیر ذلک ممّا یطّلع علیـه الـمتـتبّع.
والذی هو الظاهر وإن اختفیٰ علیهم: هو أنّ هذه الآیـة تشتمل علیٰ قضیتین شرطیتین: إحداهما قضیّـة إخباریـة عن قولهم: «آمَنَّا بِالله ِ وَبِالْیَوْمِ الآخِر»، والآیـة الاُولیٰ بیان لـما جریٰ بینهم وبین الـمؤمنین، وتکون الـقضیّـة الـشرطیـة الاُولیٰ توطئـة وتمهیداً لـلقضیّـة الـثانیـة، وأنّهم حالـهم هکذا،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 499 وإعلام لـلمؤمنین بأن یتوجّهوا الـیٰ أنّ حال الـمنافقین معکم ذاک، وحالـهم مع الـشیاطین أمر آخر، فهذا وإن کان بحسب الـمدلول تکراراً إلاّ أنّـه تکرار حسن ولازم فی الـکلام حتّیٰ یعلم الـمؤمنون قصّتهم.
ومن هنا یظهر ما فی توهُّم الـفخر: من أنّ قولهم: قالـوا: آمنّا، هو الإخلاص بالـقلب؛ لأنّ إقرارهم بالـلسان کان معلوماً. انتهیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 500