النکتة السابعة
حـول خروج الآیة عن حدّ النفاق
یخطر بالبال الإشکال، وربّما یصعب حلّ هذا الإعضال وهو: أنّ الآیات الـسابقـة الـیٰ هذه الآیـة وما بعدها، مخصوصـة بحال الـمنافقین الـذین یُبطنون واقعهم ویُظهرون خلافـه، فعلیٰ هذا کیف یصحّ أن یقال: «وَإِذَا قِیلَ لَهُمْ آمِنُوا کَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ کَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ»، مع أنّ هذا إظهار لـواقعهم الـمبطون والـمختفی علیٰ الـمؤمنین؟
هذا مع أنّ فیـه الـتجاوز والـتثریب بالـنسبـة الـیٰ الـمؤمنین بعدِّهم من الـسفهاء، وهذا خلاف ما کانوا یخادعون بإظهار الإیمان حسب الآیات الـسابقـة، ویقولون: آمنّا بالله وبالـیوم الآخر، وقد مرّ الـکلام فیما کانوا یخدعون بـه، وما کانوا لأجلـه یخدعون، فإنّ الـکلّ ینتفی بعد ما أجابوا بذلک الـجواب الـفاحش الـمعلن، فهل الـیٰ حلّ هذه الـمعضلـة من سبـیل؟
أقول: هنا أجوبـة واحتمالات إلاّ أنّ الاعتماد علیها مُشکل:
مثلاً رُبّما یقال: إنّ الآیـة حکایـة عمّا کان بینهم بعضهم مع بعض. وفیـه: أنّ جمعاً من الـمفسِّرین ـ کالـفخر وغیره ـ قالـوا: إنّ الـفاعل هو الله تعالـیٰ أو الـرسول صلی الله علیه و آله وسلم أو الـمؤمنون، وإذا کان الأمر کما توهّموه فالـظاهر أنّ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 458 الـجواب أیضاً یتوجّـه الـیهم، ولا معنیٰ لـکونـه مقالـة وقعت بینهم أنفسهم، کما لا یخفیٰ.
وربّما قیل: إنّ الـمقاولـة فرضیـة. وفیـه: أنّ الـقول بالـفرض قول نادر، واحتمال قویّ، ولکن حلّ الـمعضلـة لا یمکن بناؤه علیـه إلاّ عند الـضرورة.
وأمّا قول الـشاعر:
کریم إذا أمدَحْهُ أمدَحْهُ والـوریٰ معی
وإذا ما لُمتُهُ لُمتُهُ وحدی
فلا یشهد علیـه لإمکان کونـه من الادّعاء والـمجاز، کما لا یخفیٰ.
ومن الممکن دعویٰ: أنّ ذلک کان بمحضر الـمؤمنین، ولکنّـه من الـمُسارّة، وقد أظهره عالـم الـسرّ والـنجویٰ، وغیر ذلک ممّا یذکر أو یحتمل.
والذی هو الأقرب الـیٰ الـذهن ما خطر ببالـی الـقاصر وإن استشهدتـه بعد ذلک فی بعض الـمحکیات عن أهل الـفضل وهو: أنّ فی أمرهم بالإیمان کما آمن الـناس، وفی ترغیـبهم بالإسلام کما أسلم عموم الـطائفـة وعموم الـبشر کافّـة، نوع هتک بالـنسبـة الـیهم، وأنّهم لا یکونون من الـناس وهم أضلّ من کلّ فرد من أفرادهم، وإذا هم أرادوا الـجواب عن ذلک بعد ما لاحظوا تغطیـة أمرهم ونفاقهم، فقالـوا ـ حینئذٍ ـ : أنؤمن نحن کما آمن الـسفهاء والـعوامّ والأراذل والـمبتدون، هیهات إنّا لـسنا مثلهم، فإنّا مؤمنون کما آمن الأخصّون والـمختصون.
وفی اعتبار آخر ربّما یظهر من الـسؤال والـجواب: أنّ الـمؤمنین کانوا یریدون بذلک إفشاء سرّهم وإعلان أنّهم من الـمنافقین غیر الـمؤمنین، ولأجل ذلک أمروهم بالإیمان بعد ما قالـوا: إنّا آمنّا بالله وبالـیوم الآخر، ففی الأمر بعد
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 459 الـدعویٰ الـمزبورة إشعار بأنّهم عندهم غیر مؤمنین، وهم کاذبون فی دعواهم، فاُجیـبوا من قِبَلهم بما فیـه أیضاً خدعـة وإبطان، فإنّ فی الاستفهام الإنکاری إعادة دعواهم الاُولیٰ، وهی إیمانهم، وفی الـتشبـیـه علیٰ نعت الـتقیـید ـ أو فی تشبـیـه الـجملـة بالـجملـة ـ إرغام لأنف الـمسلمین بسبّهم وهتکهم، فأخفوا بعد ذلک أیضاً أمرهم؛ مقروناً بأنّ إیمان الـناس لا یُعتمد علیـه، وهو من الإیمان الـمتزلزل غیر الـمستقرّ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 460