بعض مسائل فقهیة
إن کانت هذه الآیـة فی موقف الآیات الاُخر ـ کما علیـه إجماع أهلـه ـ فتکون راجعـة الـیٰ حال الـمنافقین، الـذین قالـوا: آمنّا بالله وبالـیوم الآخر، وماهم بمؤمنین، وکانوا یخادعون الله والـذین آمنوا، وکان کلّ ذلک عن علم وتوجّـه والـتفات، فیفسدون فی الأرض بغیر حقّ، فیجوز الإعلام بحالـهم، وإعلان الـجبهـة الإسلامیـة عن سوء سریرتهم وفساد مقاصدهم وشرور أنفسهم. وهذا من الـواضح الـغنیّ عن الـبـیان.
ولو کانت هذه الآیـة فی وصف الـجاهلین بإفسادهم، والـقاصرین بمفاسد أفعالـهم وأقوالـهم، والـمعذورین عن تبعات أعمالـهم، فهی تدلّ أیضاً علیٰ جواز الإعلان والإعلام وبیان إفسادهم، وتوضیح مفاسد أفکارهم وأغراضهم، ولو کانوا غیر مؤاخذین بالـنسبـة الـیٰ ما اعتقدوه من الـصلاح والإصلاح، وکلّ ذلک جائز؛ نظراً الـیٰ أمرٍ أهمّ وموضوع آخر مهتمّ بـه فی الإسلام، وهو تنفیذ الإسلام وتوجیـه الـمخالـفین، وتحکیم مبانی الـدین الـحقیقی الـمقبول من کافّـة الـناس.
وبالجملة: من مراعاة دقائق هذه الآیـة، ومن الـمداقّـة فی نکات هذه
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 428 الـکلمـة الـشریفـة، یظهر لـفقیـه الاُمّـة ولفهیم الـطائفـة جواز الـقیام ـ عند وقوع الـمزاحمـة فی أمثال الـمقام ـ بإعلام الـحقّ وإعلان الـباطل، ونسبتهم الـیٰ الإفساد حسب نظره ورأیـه، ونسبتهم الـیٰ الـهرج والـمرج والاختلال؛ زعماً أنّ ذلک یؤدّی الـیٰ الـمصالـح الـعامّـة والـشؤون الـلازمـة الإسلامیـة.
ففی کلمـة «أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ» شعار وهتاف علیهم بإعلام ضمائرهم، وإعلان أفکارهم وآثار أعمالـهم؛ وإن کانوا لا یشعرون بکلّ ذلک، ویعتقدون أنّهم مصلحون، فما هو الـمنکر واقعاً یجب إنکاره وإن لـم یکن منکراً عند الـعامل، خلافاً لـما أفتیٰ بـه الأصحاب ـ رضوان الله علیهم ـ نعم هذا فی طائفـة من الـمنکرات الـهامّـة والـمحرّمات والـموبقات الـعظیمـة، کما فیما نحن فیـه، دون جمع منها ممّا لایجوز إراقـة [ماء ]وجـه مرتکبها؛ لـکونهم معذورین. هذا مع أنّ کونهم هنا معذورین محلّ الـمنع، کما مرّ فی بحوث الـبلاغـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 429