بحث اجتماعی
من المسائل المحرّرة فی علم الاجتماع: أنّ الـیأس والـقنوط من الـمهلکات والـموبقات، وأنّ الإنسان الآیس عن الـوصول الـیٰ الـخیرات والـسعادات، والآیس عن نیل الـحقائق ودرک الـواقعیّـات، ربما لا یکون ساقطاً عن الاهتداء الـیٰ جلب الـسعادة الأبدیـة، ولا خارجاً عن نطاق الـدائرة الإنسانیـة، ولکنّـه لتلک الـصفـة الـمذمومـة والـرذیلـة الـموحشـة، یصیر فی حدّ الأشقیاء، ویصیر قلبـه کالـحجارة أو أشدّ قسوة. فالـیأس من رحمـة اللّٰه من الـکبائر، کما علیـه أخبارنا، ویدلّ علیـه الـکتاب والـسُّنّـة والـعقل والإجماع.
وعلیٰ هذا الـنَّسَق ربّما یختلج بالـبال: أنّ هذه الـکریمـة الـشریفـة تعتبر دلیلاً علیٰ یأس هؤلاء الـجماعـة من الـناس، وتلک الـثلّـة من الـکفّار، فإذا یئسوا من الـرحمـة فهو أیضاً إغواء وإضلال، لا ینبغی إسناده الـیٰ الـکتاب الـذی هو الـنور والـهدایـة.
وإن شئت قلت: إذا لم یکن الـکافر آیساً، وکان لدیـه رجاء الـهدایـة فی
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 220 زمن من الأزمان وفی وعاء من الأوعیـة، ولم یکن قانطاً، وکان عنده الـرَّوْح وارتیاح الـنجاة، فلیس فیـه الـشقاوة کلّها، بخلاف ما إذا کان آیساً وقَنِطاً.
وإذا وصل الـیٰ هذه الآیـة وسمعها أو قرأها، فربّما تکون الآیـة موجبـة لاشتداد شقاوتـه وتأکّد ضلالتـه.
أقـول :
أوّلاً: إذا کانت الآیـة مخصوصـة بطائفـة قلیلـة من الـکفّار الـسابقین ـ کما مرّ أنّـه هو مختار الأکثر ـ فلا منع من الالتزام بأنهم کانوا آیسین من ذلک قبل نزولها، فلا یتقوّیٰ انحرافهم بها.
وثانیاً: بناءً علیٰ عموم الآیـة وعدم إشعارها بجماعـة خاصّـة، لا دلالـة للآیـة علیٰ الأفراد الـخاصّـة؛ حتّیٰ یعتقدوا بأنّهم مندرجون تحتها، ولا یتمکّنون من الـخروج من الـظلمات الـیٰ الـنور، بل الآیـة تُفید أنّ جماعـة من الـکفّار تکون حالـهم هکذا، فکلّ من یُصغی الـیها یتمکّن بعد استماعها أن یؤمن باللّٰه الـعظیم؛ حتّیٰ ینجو من الـعذاب الـعظیم الـموعود فیها.
وثالثاً: ربّما تکون هذه الآیـة وسابقتها فی موقف ذمّ الـکُفّار، وفی مقام تحریضهم علیٰ الإیمان، وترغیـبهم فی الإسلام، وتکون إنشائیـة، وعند ذلک یکون فیها الـتشویق الاجتماعی والـتعزیر والـتوقیر لمن لا تکون حالـه مثل حالـهم، فتصبح الآیـة بناءً علیٰ هذا شاملـة لأهمّ الـمسائل الاجتماعیـة، فإنّ الـتوبیخ ـ وفی بعض الأحیان ـ من الـواجبات؛ لما فیـه من الـصَّرْف عن الانحراف جدّاً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 221