المسألة الثالثة
حول کلمة «السمع»
الـسمع حسّ الاُذُن، والاُذُن ما ولج فیها من شیء تسمعـه والـذکر الـمسموع، ویکون للواحد والـجمع، کما فی نحو: «خَتَمَ اللّٰهُ عَلَیٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَیٰ سَمْعِهِمْ»؛ لأنّـه فی الأصل مصدر، فیحتمل الـقلّـة والـکثرة بلفظ واحد. جمعـه: أسماع وأسمُع، وجمع الـجمع أسامع وأسامیع. انتهیٰ ما فی الـلغـة.
وفی الـراغب ما یقرب منـه الـیٰ أن قال: وتارة عن الـفهم وتارة عن الـطاعـة، تقول: اسمع ما أقول لک، ولم تسمع ما قلت، وتعنی لم تفهم. قال تعالـیٰ «وَإِذَا تُتْلَیٰ عَلَیْهِمْ آیَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا»وقولـه: «سَمِعْنَا
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 158 وَعَصَیْنَا»؛ أی فهمنا قولک، ولم نأتمر لک، وکذلک قولـه: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»؛ أی فهمنا وأطعنا وارتسمنا. انتهیٰ موضع الـحاجـة منـه.
أقول: الـتحقیق أنّ «الـسمع» لیس إلاّ بمعنیٰ الـدرک، وإطلاقـه علیٰ آلـة الإدراک، أو قوّة الإدراک، أو علیٰ الـمعنیٰ الـمتأخّر من الإدراک، لا یکون من الـحقیقـة فی الـلغـة، بل هو من باب الاستعمال؛ لانتقال الـمخاطب والـمستمع ـ لأجل الـقرائن الـموجودة ـ الـیٰ ما هو الـمقصود الـجدّی للمتکلّم، فلا یکون من استعمال الـلفظ فی غیر ما هو الـموضوع لـه، خلافاً لأرباب الأدب قاطبـة إلاّ من شذّ.
وممّا یشهد علیٰ ذلک: أنّ الاُذُن لکونها من الأعضاء الـمزدوجـة تکون مؤنّثـة معنویّاً، بخلاف الـسمع.
وأیضاً یشهد علیـه: عدم استعمالـه فی الـکتاب بشکل الـجمع؛ لأنّـه فی ما هو معناه الـحقیقی لا یجمع، وهو الـمعنیٰ الـحرفی، فتأمّل.
وأیضاً یشهد علیٰ ذلک: أنّ السمع مصدر سمع یسمع، وهکذا الـسماع، ولا دلیل علیٰ وضع آخر لـه حتّیٰ یکون من الاشتراک الـلفظی، کما لا یکون الـسماع کذلک.
ومن الـعجیب توهُّم هؤلاء الـقشریّین: أنّ الـسمع فی هذه الآیـة اُرید منـه الاُذن مع أنّ ما هو الـمناسب للختم والـغشاوة هو الـسمع الـمصدری، فإنّـه یختم ادّعاء حتّیٰ لا یترتّب علیـه الأثر الـمقصود، وإذا خُتمت الـقلوب والأبصار فهو أیضاً باعتبار فعلهما وما یصدر منها، وهو الـفهم والإبصار، لا
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 159 الـبصر؛ ضرورة أنّ الأعمیٰ مختوم الـبصر، ولا یکون مختوم الإبصار إذا کان من الـمهتدین.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 160