المسألة الاُولیٰ
حـول کلمة «إذا»
وملخّص ما یمکن أن یقال فیـه: أنّـه تأتی علیٰ وجهین:
أحدهما: الـمفاجأة فتختصّ بالـجملـة الاسمیـة، فلیست شرطیـة، ولا تقع ـ حینئذٍ فی الابتداء، ومعناها الـحال کما فی کتب الـلغـة والأدب، ولکنّـه بمعزل عن الـتحقیق، بل معناها الـمفاجأة، وهی أخصّ من الـحال وتتضمّن جهلاً وغفلـة بل وخوفاً ودهشـة، کقولهم خرجت فإذا الأسد بالـباب، أو أسد بالـباب، وقولـه تعالـیٰ: «فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِیَ حَیَّةٌ تَسْعَیٰ».
وأمّا قول ابن الـحاجب: ومعنیٰ الـمفاجأة حضور الـشیء معک فی وصف من أوصافک الـفعلیـة، تقول: خرجت فإذا أسد بالـباب، فمعناه حضور
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 389 الأسد معک فی زمن وصفک بالـخروج، أو فی مکان خروجک، وحضوره معک فی مکان خروجک ألصق بک من حضوره فی خروجک؛ لأنّ ذلک الـمکان یخصّک دون ذلک الـزمان، وکلّما کان ألصق کانت الـمفاجأة فیـه أقویٰ. انتهیٰ.
فهو ممّا یُضحک علیـه، وقد نقلناه بتفصیلـه حتّیٰ یجد الـمحقّقون موقف شعوره وحدود معارفـه، وأنت خبـیر بما فیـه من الأخباط والأغلاط.
فبالجملة: هی لـلمفاجأة، وهی لا تتحقّق إلاّ حال الـقرب الـمکانی؛ من غیر دخالـة هذه الاُمور فی الـموضوع لـه؛ لـجواز استعمال الـمفاجأة فی الـمفارقات.
ثمّ إنّهم اختلفوا فی «إذا» هذه، فقال الأخفش: إنّها حرف، وهو مختار ابن مالـک، وعن الـمبرّد: ظرف مکان، وهی صفوة ابن عصفور، وقال الـزجّاج: إنّها ظرف زمان، وهو اختیار الـزمخشری؛ حتّیٰ قال: إنّ عاملها مشتقّ من کلمـة «الـمفاجأة»، فیکون تأویل قولـه تعالـیٰ: «ثُمَّ إِذَا دَعَاکُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» فاجأتم الـخروج فی ذلک الـوقت.
وهذا نظیر قولهم: إنّ الـعامل فی قولـه تعالـیٰ: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُکُمْ أُمَّةً
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 390 وَاحِدَةً» هی الإشارة الـمستفادة من لـفظـة «هذه»، فما قالـه ابن هشام: من أنّ ذلک لا یوجد لـغیر «إذا» فی غیر محلّـه، وحُکی عنـه أنّـه قال: ولم یقع الـخبر معها فی الـتنزیل إلاّ مصرَّحاً بـه.
وأمّا قول الـعرب: «وکنت أظنّ الـعقرب أشدّ لـسعةً من الـزنبور، فإذا هوهی»، فتعیّـن فیـه الـرفع عند سیـبویـه، ویجوز الـرفع والـنصب عند الـکسائی، فیقول: فإذا هو إیّاها، فإنّـه لـو ثبت فهو خارج عن دَیدَن الـقواعد ودَیدان الـفصحاء.
ثانیهما: أن تکون لـغیر الـمفاجأة، فالأکثر استعمالاً أن تکون ظرف الـمستقبل، تتضمّن معنیٰ الـشرط، ومختصّـة بالـدخول علیٰ الـجمل الـفعلیـة، وتحتاج الـیٰ الـجواب، ولابدّ أن تقع فی الابتداء، والـفعل الـذی بعدها: إمّا ظاهر، نحو «إِذَا جَاءَ نَصْرُ الله ِ»، أو مقدّر، نحو «إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ».
ثمّ إنّها قد تخرج عن الـظرفیـة، قالـه الأخفش، وعلیـه حمل قولـه تعالـیٰ: «حَتَّیٰ إذَا جَاؤُوهَا»، وربّما تخرج عن الاستقبال، فترد لـلحال، نحو «واللَّیْلِ إِذَا یَغْشَیٰ» أو لـلماضی، نحو «إِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً».
وفی الـکلّ نظر واضح.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 391 وربّما تخرج عن الـشرطیـة، نحو «وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ»، ولا یخفیٰ ما فیـه، فإنّ من عدم الـدقّـة فی الأمثال اختلفت کلمات الـنحاة، وتوهّموا الـمعانی الـکثیرة لـکلمـة واحدة، مع أنّها ترجع الـیٰ معنیً واحد.
ولا یخفیٰ أنّ «إذا» تختصّ بدخولها علیٰ الـمعلوم الـمفروض وجوده فی الـمستقبل، أو ما یحذو حذوه.
وأمّا قولـه تعالـیٰ: «وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِیبِینَ إِلَیْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا» فقد تُوهّم: أنّها استعملت فی غیر محلّها، وأجابوا عنـه بأجوبـة.
والذی هو الحقّ: أن مسّ الـضرّ ممّا هو الـمتیقّن بالـنسبـة الـیٰ الـعامّ الـمجموعی، وهو الـناس، أو بالـنسبـة الـیٰ الـموضوع الـمهمل، فإنّـه لـیس الـغرض إصابـة الـضرّ لـکلّ أحد حتّیٰ یکون مشکوکاً فما تخیّـلـه الـسکّاکی وغیره فی غیر محلّـه.
ومن هنا یظهر حلّ مشکلـة سائر الآیات فی الـمقام.
وغیر خفیّ أیضاً: أنّ «إذا» لا تفید الـعموم الأزمانی، فما ظنّـه ابن عصفور من ظنّ الـسوء، ویکذّبـه الـتبادر والـعرف.
ثمّ إنّـه قیل: قد تأتی زائدة وخُرِّج علیـه «إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ» لأنّها
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 392 نحو «اِقْتَرَبتِ السَّاعَةُ» وهو خال عن الـتحصیل لأنّها نحو «فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَکَانَتْ وَرْدَةً کَالدِّهَانِ» أو هی فی موضع الـمفاجأة کما لا یخفیٰ.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 393