الوجه التاسع
حول استثناء «إلاّ أنفسهم»
حذف الـمستثنیٰ منـه دلیل علیٰ أنّ الآیـة ناظرة الـیٰ قضیّـة شخصیـة، وإلاّ یلزم أن یکون جمیع الـخدعات راجعـة الـیٰ الـمخادعین، مع أنّ الـضرورة قاضیـة بخلاف ذلک، فقولـه تعالـیٰ: «وَمَا یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ» یرجع الـیٰ أنّهم ما یخدعون الـمؤمنین والـمسلمین، ولکن یخدعون أنفسهم،
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 308 فیکون الاستثناء منقطعاً، أو یکون الـمراد مطلق الـمؤمنین والـمسلمین، دون الـطائفـة الـمخصوصین، فیکون خداع مُخادعی الـمؤمنین راجعاً الـیٰ أنفسهم فی جمیع الأعصار والأزمان، وعلیٰ کلّ تقدیر یکون الاستثناء منقطعاً. وربّما یقال: إنّ الاستثناء الـمنقطع علیٰ خلاف الأصل، أو أنّ الـکتاب والـسُّنّـة خالـیان عن الاستثناء الـمزبور، وتفصیلـه یأتی فی مقام آخر.
والذی هو التحقیق: إمکانـه وجوازه ووقوعـه وحسنـه فی الأدب والـبلاغـة جدّاً، وأنّـه مؤکّد لـلعموم ویوجب صراحـة الـجملـة فی الاستغراق والإطلاق.
ولکن الـشأن إمکان کون الآیـة من الاستثناء الـمتّصل الـمفرَّغ، ویکون الـمحذوف من الـعناوین الـعامّـة، وتصیر الآیـة: وما یخدعون إنساناً أو أحداً إلاّ أنفسهم، ولا یکون ذلک من الـکذب؛ لأنّ نظر الـقرآن الـیٰ أنّ وبال الـخدعـة راجع علیهم فی الـحقیقـة، فیکون هناک نوع ادّعاء أو مبالـغـة مستحسنـة أو تکون الآیـة فی موقف توبیخهم بإرجاع ثمرات الـملکات الـفاسدة الـیٰ أربابها وأصحابها.
وبالجملة : هنا أسئلة :
الأوّل: هل الاستثناء منقطع أم متّصل ؟
الثانی: کیف یتصوّر خداع أنفسهم علیٰ نعت الـحقیقـة؟
الثالث: هل یمکن أن یکون حذف الـمتعلّق فی قولـه تعالـیٰ: «وَمَا یَشْعُرُونَ»دلیلاً علیٰ ما هو الـمحذوف وما هو الـمستثنیٰ منـه فی قولـه تعالـیٰ: «وَمَا یَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ»؟
الجواب: یمکن الالتزام بکلٍّ من الاستثناءین، کما عرفت، کما یمکن أن
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 309 یکون ذیل الآیـة دلیلاً علیٰ أنّ الـمحذوف والـمستثنیٰ منـه عنوان الـشیء وأمثالـه؛ لأنّ مقتضیٰ نفی الـشعور عنهم صدق الـعناوین غیر الـشاعرة علیهم کما لا یخفیٰ.
وأمّا خداع أنفسهم فسیأتی تحقیقـه فی بعض الـبحوث الاُخر، ولکن قضیّـة الأنظار الـعرفیـة فی هذه الآیات: أنّ الـنظر یکون الـیٰ حقیقـة الـخدعـة، والـیٰ ما هو مغزاها ومرجعها حسب الـتبعات والـمقتضیات فی الـنشآت الاُخرویـة، أو یکون الـمقصود إفادة أنّ الـخدعـة إذا کانت معلومـة عند من اُرید خداعـه، لا تکون إلاّ خدعـة الـخادعین؛ لأنّها لـیست من الـخدعـة واقعاً بالـنسبـة الـیهم، فترجع الـیٰ أنفسهم، ویکونون هم الـمخدوعین؛ غافلین عن ذلک، ولا یشعرون بذلک.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 310