البحث الرابع
حول عموم الحشر
فیما سبق منّا تبـیّـن أنّ الـتقویٰ صفـة عامّـة لجمیع الأشیاء، وأنّ کلّ شیء یصحّ توصیفـه بالـتقویٰ والـتحرّز عن الـتخلّف عن الأوامر الـتشریعیّـة والـتکوینیّـة، فإذا قالـت الـسماوات والأرض: «أَتَیْنَا طَائِعِینَ» فهو عین الـتقویٰ والـتجنّب عن الـهویٰ بالـخضوع والـخشوع لدیٰ الـمولیٰ، وهذا الـکتاب هدیً للمتّقین، والإتیان بصیغـة الـجمع الـمخصوصـة بذوی الـعقول لیس للتغلیب کما یعتقده الـعوامّ، بل هو لأجل ما تحرّر وتکرّر من ثبوت الـعلم الـمرکّب لکافّـة الـوحدات الـطبـیعیّـة «یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِی السَّمَـٰواتِ
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 51 وَالْأَرْضِ وَالطَّیْرُ صَافَّاتٍ کُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِیحَهُ».
وعلیٰ هذا تکون الأوصاف الـمذکورة صفـة الـمتّقین من جمیع الأنواع الـمادّیّـة والـروحانیّـة، بل کانت نعت الأسماء والـصفات، ومن تلک الأوصاف أنّهم بالآخرة یُوقنون، وحیث تکون الآیـة فی موقف یستشمّ منها أنّ الـحشر ثابت للمتّقین، فیعلم منها ثبوت الـحشر لجمیع الـمتّقین من الأنواع الـمختلفـة.
نعم بناءً علیٰ بعض الـتقاریب الـماضیـة والـتحاریر الـسالـفـة، کانت الآیـة فی موقف إفادة مدح الـموقنین بالآخرة؛ سواء کانوا من الـمحشورین أو من غیر الـمحشورین، وعلیٰ الـتقدیر الـثانی سواء کان عدم حشرهم لعُلُوّ مقامهم؛ لما أنّهم محشورون فی عالـم الأسماء والـصفات بل والـذوات، أو لعدم لیاقتهم للحشر، فلتـتدبّر تعرف جدّاً.
وغیر خفیّ: أنّ ما هو جهـة الـمدح هو الإیقان بالآخرة وبأصل الـمعاد والـنشأة الـثانیـة، وأمّا اختلاف الـناس حسب الـحشر وحسب الـمعتقدات، فهو لایضرّ بذلک حسب هذه الـکریمـة الـشریفـة.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 52