المسألة الرابعة
حول کلمة «البصر»
الـبصر حاسّـة الـرؤیـة والـعین والـعلم، جمعـه: أبصار. هذا ما فی الـلغـة.
وفی الـراغب: الـبصر یقال للجارحـة الـباصرة، ومنـه قولـه تعالـیٰ: «کَلَمْحِ الْبَصَرِ»، «وإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ»، وللقوّة الـتی فیها. انتهیٰ.
أقول: فیما یحضرنی من الاستعمالات ـ ولا سیّـما فی الـکتاب الإلهی ـ أنّ الـبصر غیر الـباصرة، وهما غیر الـبصیرة، فإنّ الـبصیرة معلوم معناها، ومخصوص بالإدراکات والـشؤون الـمعنویـة، والـباصرة هی الـجارحـة الـمادّیـة الـتی تکون آلـة الإبصار، ومعدّة لحصول الـدَّرْک.
وأمّا الـبصر: فهی الـقوّة الإحساسیـة الـدَّرْکیـة الـتی تحتجب بالـکدورات والـظلمات والـمعاصی والآثام، ویصحّ الـتعبـیر عند ذلک بأنّها
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 160 ختم [علیها ]بالـغشاوة.
ودعویٰ تعدّد الـموضوع لـه، غریبـة طبعاً، فیدور الأمر بین أحد الـمجازین. وما یقرب من الـذهن أن یکون إطلاقها علیٰ الـجارحـة لأجل ما فیها من الـحاسّـة والإدراک الـحسّی، ومنـه قولـه تعالـیٰ: «لاَ تُدْرِکُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ یُدْرِکُ الْأَبْصَارَ».
وقولـه تعالـیٰ: «إنَّ فِی ذَ ٰلِکَ لَعِبْرَةً لِأُولِی الْأَبْصَارِ»، «فَبَصَرُکَ الْیَوْمَ حَدِیدٌ»، «یَکَادُ سَنَا بَرْقِهِ یَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ» وعلیٰ هذا یقرب الـتوسّع فی الإطلاق علیٰ نفس الـجارحـة.
وممّا یؤیّد ذلک: أنّ من الـناس من لا یفقد الـجارحـة، وتکون هی کاملـة حسب الـظاهر، ولکنّـه یُعدّ أعمیٰ لفقد الـبصر، وهو درکها. ومن الـممکن کونـه موضوعاً للجارحـة الـحاسّـة، فیکون الـموضوع لـه مرکّباً. وهذا أیضاً غیر بعید، وربّما بـه یجمع بین الآیات الـمختلفـة فی الاستعمالات والإطلاق.
فعلیٰ کلّ ذلک تکون الأبصار مختومـة بلحاظ إحساسها، لا بجهات اُخر من طبقاتها الـسبعـة الـمختلفـة، فلاحظ جیّـداً.
کتابتفسیر القران الکریم: مفتاح أحسن الخزائن الالهیة (ج. 3)صفحه 161