فذلکة المقام
والحاصل : أنّ الذی دعانا إلی هذا الوجه إنّما هو تظافر القرائن علی صحّته ، وعدم الطمأنینة بما ذکره الأعلام فی تفسیر الحدیث ؛ فإنّ ما اختاره شیخنا الأعظم رحمه الله لم یکن خالیاً من إشکالات غیر منحلّة ، کما عرفت .
أضف إلی ذلک : أنّ ما اختاره من المذهب یستلزم أن لایکون الحدیث من أقضیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، مع أنّه من قضایاه ، بل قیل من أشهر ما قضی به النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، ولا یوجد أیّ تناسب بین صدر الواقعة وذیلها ؛ فإنّ شأن الحدیث وإن کان غیر مروی فی کتب العامّة إلاّ أنّه مروی فی کتبنا .
وقد عرفت : أنّ الصدر متضمّن لرفع الشکایة من المظلوم عن الظالم إلی رئیس الملّة وسلطانها المطلق ، وأیّ تناسب بینه وبین الإخبار عن نفی الحکم الضرری وعدم جعلها ، وأیّ تناسب فی تعلیل قلع الشجرة بقوله : «لاضرر ولاضرار» .
مضافاً إلی : عدم معهودیة ما ذکره من المعنی من أمثال هذه التراکیب الدارجة فی کلمات الفصحاء ، الواردة فی الآثار الشرعیة عن بیوت الوحی ؛ فإنّ الغالب إنّما هو نفی الأثر بلسان نفی موضوعه ، أو النهی بلسان النفی ، وأمّا نفی عنوان الضرر وإرادة نفی ما له أدنی دخالة فی تحقّقه فلم یعهد من هذا الترکیب .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 537 وقد أوضحنا : أنّ الحکم الشرعی لیس علّة أو سبباً تولیدیاً للضرر ، وإنّما له أدنی دخالة فی تحقّقه بما أنّه باعث اعتباراً نحو الموضوع الذی فیه الضرر ، وهو السبب الوحید له .
وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی : من أنّ المعهود فی مثل هذا الترکیب هو نفی الأثر بلسان نفی الموضوع وإن کان صحیحاً غیر أنّ المقام لیس من صغریات ما ادّعاه ؛ لما عرفت أنّ الحکم الشرعی لیس أثراً للضرر ، ولا الضرر موضوعاً له .
نعم ، یمکن تصحیح ما ذکره بشرط ثبوت أمرین :
الأوّل : قلّة الأحکام الضرریة فی صفحة التشریع ؛ بحیث ینزّل الموجود منه منزلة المعدوم .
الثانی : ادّعـاء أنّـه لا شـأن للضرر مـن الشؤون ، غیـر الحکم الضـرری ، کما لا شأن للرجـل غیـر المروّة والشجاعـة ؛ حتّـی یصـحّ ادّعـاء أنّ المسبّب عیـن السبب .
فلو ثبت هذان الأمران أمکن نفی الضرر وإرادة نفی الحکم الضرری بتنزیل الموجود منزلة المعدوم ، وأنّی یمکن إثباتهما ؟ ! إذ هو یستلزم ـ علی مبنی المشهور فی المجاز ـ استعمال اللفظ الموضوع للمسبّب فی السبب . مع عدم ثبوت الأمرین فی حدّ نفسهما ، مضافاً إلی غرابته وعدم معهودیته .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 538 وأمّا ما أیّده وحید عصره ؛ تبعاً لشرّاح الحدیث فهو أحسن الوجوه ـ بل هو المتعیّن ـ غیر أنّ الاختلاف بیننا وبینهم فی منشأ النهی ؛ فیظهر منهم أنّه نهی إلهی ألقاه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علی النحو الکلّی ، واستند إلیه فی ردع سمرة عن الدخول بغیر استئذان ، بل فی أمر الأنصاری بقلع الشجرة ، کما یظهر من عبائره قدس سره .
وأمّا علی ما استظهرناه فهو نهی مولوی صادر عنه صلی الله علیه و آله وسلم بما هو سائس الملّة ورئیسهم حسب القرائن التی أوردناها .
وأظنّ : أنّ هذا الوجه أصوب الوجوه ؛ فإن ثبت إتقانه عندک وتعیّنه فهو من فضل الله تعالی ، وإلاّ فاجعله أحد المحتملات ، لعلّ الله یحدث بعد ذلک أمراً .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 539