الأمر الأوّل : حال الأقسام فیما إذا کان الحکم نفسیاً
القسم الأوّل : إذا تعلّق الحکم الوجوبی النفسی علی الموضوع علی نحو العامّ الاستغراقی فالحقّ فیه البراءة ؛ فإنّ مصبّ الحکم حسب الدلیل وإن کان عنوان الکلّ وأشباهه إلاّ أنّه عنوان مشیر إلی الأفراد ، وقد جعله المولی وسیلة لبعث المکلّف إلی إکرام کلّ واحد واحد من الأفراد .
ولم یتعلّق الحکم بعنوان واحد حتّی نشکّ فی انطباقه علی المأتی به ؛ فإنّ لفظة «کلّ» فی قوله : «أکرم کلّ عالم» أو «صلّ مع کلّ سورة» لم یکن له موضوعیة ، بل واسطة لإیصال الحکم إلی الموضوعات الواقعیة ، وهی أفراد الطبیعة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 335 وإن شئت قلت : إنّ هنا أحکاماً وموضوعات وإطاعات وعصیانات ؛ فمن علم کونه من مصادیق الموضوع فقد علم تعلّق الحکم به ، ومن شکّ کونه عالماً أو لا فقد شکّ فی تعلّق الحکم علیه ، فیقع مصبّ العقاب بلا بیان ، أو البراءة الشرعیة .
وما یقال : إنّ وظیفة المولی بیان الکبریات لا الصغریات ، فما یرجع إلیه إنّما هو بیان الحکم الکلّی ، والمفروض أنّه بیّنه . وأمّا أنّ هذا فرد أو لا فخارج عن وظیفته ، فلابدّ من الاحتیاط ؛ خروجاً عن مخالفته فی الأفراد الواقعیة التی تمّ بیانه بالنسبة إلیها .
وإن شئت قلت : لابدّ للمکلّف من الخروج عن عهدة تلک الکبری المعلومة یقیناً ، وهو لا یحصل إلاّ بالاحتیاط .
فغیر تامّ ؛ فإنّ الکبری الکلّیة لیست بیاناً للفرد المشکوک بالضرورة ، وتعلّقها علی الأفراد الواقعیة غیر کونها بیاناً للفرد المشکوک فیه .
وما ذکره من أنّ وظیفة المولی إنّما هو بیان الکبریات لا المصادیق وإن کان صحیحاً إلاّ أنّ العقاب لایصحّ إلاّ مع تمام الحجّة علی العبد ، والکبری لا تصیر حجّة علی الصغری ، بل لابدّ من عثوره علیها بطریق عقلائی أو علمی .
وإن شئت قلت : إنّ ما هو موضوع حکمه هو قبح العقاب بلا حجّة ، وهی مؤلّفة من صغری وکبری ، فلابدّ من قیام الحجّة علی الصغری والکبری ؛ وإن قامت الحجّة علیها ، إلاّ أنّ الصغری مشکوکة لم تقم الحجّة علیها .
وتوهّم قیاس المقام بصورة العلم الإجمالی ـ فإنّ الکبری فیه حجّة علی الصغری المشکوکة ـ قیاس باطل ؛ فإنّ العلم الإجمالی قد تعلّق بالصغری ، ولکنّه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 336 مردّدة بین أمرین أو اُمور .
فالحجّة بالنسبة إلی الصغری تامّة ، وعروض الإجمال لا تأثیر له فی تمامیة الحجّة ، بخلاف المقام ؛ فإنّ الصغری غیر معلومة ؛ لا تفصیلاً ولا إجمالاً .
وإن شئت قلت : إنّ الشکّ فی المقام شکّ فی التکلیف ، بخلافه فی العلم الإجمالی . ولا أظنّ أنّه یحتاج إلی بیان أزید من هذا .
القسم الثانی : تلک الصورة مع کون العامّ مأخوذاً علی نحو العامّ المجموعی ؛ بأن أوجب إکرام مجموع العلماء ؛ بحیث یتعلّق الحکم علی ذلک العنوان لا علی ذات الأفراد ؛ ولو بتوسیط کلّ .
فلا محیص عن الاشتغال ؛ لأنّ ترک إکرام من یشکّ کونه عالماً ، والاکتفاء علی إکرام من علم کونه عالماً یوجب الشکّ فی تحقّق هذا العنوان الذی تعلّق به الأمر وقامت علیه الحجّة ، نظیر الشکّ فی المحصِّل ؛ وإن کان بینهما فرق من جهة اُخری .
وإن شئت قلت : إنّ وصف الاجتماع مأخوذ فی موضوع الحکم ، فیکون ما هو الموضوع أمراً وحدانیاً فی الاعتبار ـ وهو المجموع من حیث المجموع ـ ومع الشکّ فی الموضوع یکون الشکّ فی انطباق المأمور به علی المأتی به .
وممّا ذکرنا یظهر : أنّ ما مثّله الشیخ الأعظم رحمه الله للمقام ، وحکم فیه بالاحتیاط فیما إذا اُمر بالصوم بین الهلالین فی غایة الصحّة بناءً علی هذا الفرض ؛ فإنّ ترک صوم یوم الشکّ من رمضان یوجب الشکّ فی تحقّق هذا العنوان ، ومعه لا مناص من الاشتغال .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 337 وأمّا ما أفاده بعض أعاظم العصر رحمه الله من الرجوع إلی البراءة عند تعلّق الحکم بالعامّ المجموعی ففی غایة الضعف .
وحاصل ما أفاده : أنّ مرجع الشکّ فی عالمیة بعض إلی الشکّ بین الأقلّ والأکثر الارتباطی ؛ فإنّه لم یتعلّق التکلیف الاستقلالی بإکرام ما یشکّ فی کونه من أفراد العلماء ، علی تقدیر أن یکون من أفراد العلماء واقعاً ؛ لأنّه لیس هناک إلاّ تکلیف واحد تعلّق بإکرام مجموع العلماء من حیث المجموع .
فیکون إکرام فرد من العلماء بمنزلة الجزء لإکرام سائر العلماء ، کجزئیة السورة للصلاة ، فیرجع إلی الشکّ بین الأقلّ والأکثر الارتباطی ، غایته : أنّ التکلیف بالسورة لیس له تعلّق بالموضوع الخارجی ، فلا یمکن أن یتحقّق الشبهة الموضوعیة فیها ، بل لابدّ وأن تکون حکمیة ، بخلاف المقام ، انتهی .
وجه ضعفه ـ مضافاً إلی إمکان تصویر الشبهة الموضوعیة فی جزئیة السورة ، کالشکّ فی جزئیة بعض السور التی یدّعیه الحشویة من العامّة وبعض الإمامیة أنّها من القرآن ؛ وإن کان واضح الفساد ، إلاّ أنّ تصویرها ممکن فی حدّ نفسه ـ هو وضوح الفرق بین المقامین ؛ فإنّ الأمر فی الأقلّ والأکثر الارتباطیین تعلّق بالأجزاء فی لحاظ الوحدة ، ولیست الصلاة عنواناً متحصّلاً منها ؛ بحیث یشکّ فی تحقّقها مع ترک الجزء أو الشرط .
فالشکّ فی جزئیة السورة شکّ فی انبساط الأمر أو فی داعویته المتعلّق
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 338 بالمرکّب علی ما مرّ توضیحه .
وأمّا المقام فالأمر تعلّق بعنوان خاصّ ـ أعنی المجموع بما هو هو ـ وقد قامت الحجّة بما هو هو ، ومرجع الشکّ إلی انطباق المأتی به للمأمور به .
وبالجملة : الشکّ فی المقام شکّ فی تحقّق عنوان المأمور به ، بخلاف الشکّ فی تقیّد الصلاة بشیء أو جزئیة شیء لها .
القسم الثالث والرابع : تلک الصورة ، ولکن تعلّق الأمر بنفس الطبیعة أو علی نحو صرف الوجود ، فالاشتغال أوضح ، فلایمکن الاکتفاء بالفرد المشکوک کونه من أفرادها فی مقام إیجادها أو ناقض عدمها . فمرجع الشکّ إلی تحقّق المأمور به ـ الطبیعة أو صرف الوجود ـ بالفرد المشکوک فیه .
هذا کلّه فی الحکم الوجوبی النفسی بأقسامه الأربعة .
وأمّا الحکم التحریمی النفسی : فلمّا لم یکن بعثاً ـ بل زجراً ـ فلا فرق فی جریان البراءة بین صورها الأربعة :
أمّا الاستغراق منه : فواضح لکون مرجع الشکّ إلی تعلّق الحکم المنحلّ به ، ونظیره فی الوضوح إذا تعلّق بنفس الطبیعة أو بصرف الوجود ؛ فإنّ مآل الشکّ فی الجمیع إلی تحقّق الفرد المبغوض . فالعقاب علیه عقاب بلا حجّة ، وکذا إذا تعلّق علی نحو العامّ المجموعی . فلو قال : «لاتکرم مجموع الفسّاق» فله إکرام مَن علم فسقه ، مع ترک إکرام المشکوک فسقه ؛ للشکّ فی تحقّق المبغوض بذلک .
هذا کلّه فی الحکم النفسی وجوباً أو تحریماً .
وإلیک بیان الأوامر والنواهی الغیریة فی ضمن أمر آخر :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 339