المقام الأوّل : فی معنی الضرر والضرار
فنقول : أمّا الضرر فهو من الکلمات الشایعة الدارجة التی لایکاد یخفی معناه علی العرف الساذج . والمفهوم منه عندهم هو النقص علی المال والنفس ؛ یقال : البیع ضرری ، أو أضرّ به البیع ، أو ضرّه الدواء والغذاء ، ویقابله النفع .
ولایستعمل فی هتک الحرمة والإهانة ، کما لایستعمل النفع فی ضدّ الهتک ، فلو نال الرجل من عرض جاره بأن نظر إلی امرأته نظر الریبة ، أو هتکه وأهانه لایقال : إنّه أضرّ به ، کما لایقال عند تبجیله وتوقیره بین الناس أنّه نفعه ، وذلک واضح . وأمّا توصیف الضرر أحیاناً بالعرضی فهو أعمّ من الحقیقة والمجاز .
هذا هو المفهوم عرفاً .
وأمّا أئمّة اللغة : فقد ذکر الجوهری فی «صحاحه» : أنّه یقال مکان ذو ضرار ؛ أی ضیِّق ، ویقال : لاضرر علیک ولا ضارورة وتَضِرَّة . وظاهـره : أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 488 فی هذه الاستعمالات یکون الضرر بمعنی الضیق .
وقال الفیروزآبادی فی «قاموسه» : الضرر الضیق .
وفی «المصباح» : الضرر بمعنی فعل المکروه ، یقال : ضرّه فعل به مکروهاً .
وفی «المنجد» : «الضَرّ والضُرّ والضرر ضدّ النفع ؛ الشدّة ، الضیق وسوء الحال ، والنقصان الذی یدخل فی الشیء ، ولعلّ منه الضرّاء ضدّ السرّاء ؛ بمعنی الشدّة والقحط » .
وبما ذکرنا یظهر : أنّ معنی الضرر والضرار والمضارّ فی الروایات إنّما هو الضیق والشدّة وإیصال المکروه وإیجاد الضرر ، فلاحظ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «ما أراک یا سمرة إلاّ مُضارّاً» ؛ أی ما أراک إلاّ رجلاً موقعاً أخاک فی الحرج والشدّة ، ولا ترید بفعلک إلاّ التضییق علی الأنصاری .
وأمّا ما ربّما یقال : إنّ استعمال الضرر بلحاظ الضرر العِرضی ، وأنّه بدخوله فجأة کان یورث الضرر العرضی ویوجب هتکه ، وأنّ معنی قوله : «إلاّ مضارّاً» أی هاتکاً للحرمة بدخوله منزل الأنصاری ونظره إلی أهله .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 489 فضعیف جدّاً ؛ إذ قد عرفت أنّ هذا المعنی غیر معهود ؛ لامن العرف ولا من اللغة ، وأنت إذا لاحظت مظانّ استعمال هذه المادّة فی الکتاب والسنّة لاتجد مورداً استعمل فیه هذه المادّة مکان هتک الحرمة والإهانة بالعرض ، وسیوافیک شطر منه فی توضیح معنی الضرار .
وبالجملة : استعماله فی معنی الهتک والنیل من العرض وإیراد النقص فی العرض غیر معهود ، وإنّما استعماله فی الحدیث بالمعنی الذی عرفت .
وأمّا الضرار : فالظاهر أنّه بمعنی الضرر ، لابمعنی المجازاة علی الضرر ، وعلیه کثیر من أئمّة اللغة ، وعلیه جری الذکر الحکیم فقد استعمل فیه بمعنی الإضرار لا المجازاة علی الضرر ، والیک الآیات :
1 ـ «لا تُضارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» .
2 ـ «وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ» .
3 ـ «وَلا تُمْسِکُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» .
4 ـ «وَالَّذِیْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَکُفْراً وَتَفْرِیْقاً بَیْنَ الْمُؤْمِنِیْنَ» .
5 ـ «وَلا یُضارَّ کاتِبٌ وَلا شَهِیْدٌ» .
6 ـ «مِنْ بَعْدِ وَصِیَّةٍ یُوصی بِها أَوْ دَیْنٍ غَیْرَ مُضارٍّ» .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 490 وإلیک شطر من الروایات التی استعملت فیه الضرار بمعنی الضرر لا المجازاة الذی هو مفاد باب المفاعلة ، فلاحظ روایات الباب :
فإنّ قوله : «إلاّ مضارّاً» لیس إلاّ بمعنی الضرر لا المجازاة ؛ إذ لم یسبق من الأنصاری ضرر حتّی یجازیه .
ومنه : روایة هارون بن حمزة التی أوردناه عند سرد الروایات ؛ فإنّ قوله : «فلیس له ذلک ، هذا الضرار ، وقد أعطی حقّه . . .» إلی آخره بمعنی أنّ طلب الرأس والجلد یورث الضرر علی الشریک .
ومنه : روایة طلحة بن یزید فی باب إعطاء الأمان : «إنّ الجار کالنفس غیر مضارّ ولا آثم» .
ومنه : ما رواه الصدوق فی باب کراهة الرجعة بغیر قصد الإمساک عن أبی عبدالله علیه السلام قال : «لاینبغی للرجل أن یطلّق امرأته ثمّ یراجعها ، ولیس فیه حاجة ، ثمّ یطلّقها فهذا الضرار الذی نهی الله عزّ وجلّ عنه» .
ومنه : ما ورد فی ولایة الجدّ قال : «الجدّ أولی بذلک ما لم یکن مضارّاً» .
ومنه : ما فی «عقاب الأعمال» : «من ضارّ مسلماً فلیس منّا» .
ومنه : ما فی کتاب الوصیـة فی روایـة قال علی : «مـن أوصی ولم یحف
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 491 ولم یضارّ کان کمـن تصـدّق فی حیاتـه» . . . إلی غیر ذلک مـن الـروایات .
وبالجملة : لم نجد مورداً فی الکتاب والسنّة استعمل فیه الضرار بمعنی باب المفاعلة والمجازاة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 492