تنبیه فی عدم تقیید الأدلّة الواقعیة بجواز الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی
اعلم : أنّه لو قلنا بجواز الترخیص فی أطراف العلم الإجمالی لا یوجب ذلک تقییداً فی الأدلّة الواقعیة بوجه ، بل یکون حالها حال قیام الأمارات علی خلافها ، وحال جریان الاُصول فی الشبهات البدویة إذا کانت مخالفة للواقع ، فکما أنّ الواقع لم یتقیّد بمؤدّیات الأمارات ولا بحال العلم ، فکذلک فی المقام .
والفرق : أنّ هاهنا ترخیص فی مخالفة الأمارة ، ویحتمل انطباق الأمارة علی الواقع ، وهناک ترخیص فی العمل بها مع إمکان تخلّفها عنه ، وفی الشبهات البدویة ترخیص مع احتمال تحقّق الواقع .
وبالجملة : أنّ البحث فـی المقام کالبحث فی الأمارات والاُصول فی الشبهات البدویة إذا خالفت الواقع ، فکما أنّ فی الأمر بالعمل بالأمارات أو إمضاء الطرق العقلائیة احتمال تفویت الواقع ، والمصالح والأغراض بما أنّ تلک الطرق والاُصول ربّما تؤدّی المکلّف إلی خلاف المطلوب ، فهکذا الأمـر فی العمل
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 181 بالاُصول وفی جعل الترخیص فیما إذا قامت الحجّة علی وجـوب الشیء أو حرمته ، وتردّد بین أمرین .
وکما أنّ المجوّز لهذا التفویت لیس إلاّ التحفّظ علی الغرض الأهمّ ؛ من حفظ نظام العباد وصیانتهم عن الإعراض عن الدین ورغبتهم عن الشریعة ـ کما مرّ توضیحه فی بابه ـ فهکذا لو فرض فی جعل الترخیص مصلحة أولی وأهمّ من التحفّظ علی الواقع لا یکون ضیر فی المقام فی جعله وتشریعه .
فالمولی الحکیم لوقوفه علی الأغراض الهامّة وغیرها یقدّم بعضها علی بعض ، ویعرض عن بعض ویرفع الید عنه ؛ للتحفّظ بما هو أولی وأقدم .
وإن شئت قلت : إنّ التخصیص والتقیید فی الأدلّة الواقعیة لقصور الاقتضاء ، وفی المقام ـ أی إمضاء الطرق العقلائیة ، والترخیص فی أطراف العلم الإجمالی ـ لا یکون الاقتضاء قاصراً ؛ ولهذا یجب العلم بالتکالیف فی الشبهات الحکمیة ، ویجب تتبّع الأحکام ونشرها .
ولکن الجهات الاُخر لمّا کانت أهمّ من مراعاة الواقع صارت تلک الأهمّیة سبباً للترخیص فی الشبهات البدویة ، ولتنفیذ الأمارات وإیجاب العمل علی طبقها ، وفی المقام أیضاً علی فرض إمکانه ، فلا تکون الواقعیات مخصّصة ولا مقیّدة بشیء من تلک الموارد ، بل متروکة مع کمال مطلوبیتها لأجل أغراض أهمّ .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 182