الأمر الرابع : فی بیان المصحّح لإسناد الرفع
لا شکّ : أنّ الرفع تعلّق بهذه العناوین فی ظاهر الحدیث ، مع أنّها غیر مرفوع عن صفحة الوجود ، فیحتاج تعلّق الرفع بها إلی عنایة ومناسبة . وهل المصحّح للدعوی هی رفع المؤاخذة أو جمیع الآثار أو الأثر المناسب ؟ ذهب إلی کلٍّ فریق :
فاختار الأوّل شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ حیث أفاد : مـن أنّ الظاهـر لـو خلّینا وأنفسنا أنّ نسبـة الرفـع إلی المذکـورات إنّما تکون بملاحظة رفع المؤاخذة ، انتهی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 39 وفیه ـ مضافاً إلی أنّ المؤاخذة أمر تکوینی لا یناسب رفعه ولا وضعه مع مقام التشریع ـ أنّ المؤاخذة لیست من أظهر خواصّها ؛ حتّی یصحّ رفع العناوین لأجل رفعها .
مع أنّ صحیحة البزنطی التی استشهد الإمام علیه السلام فیها بهذا الحدیث علی رفع الحلف الإکراهی أوضح دلیل علی عدم اختصاص الحدیث برفع المؤاخذة فقط ، والخصم لم یتلقّ حکم الإمام أمراً غریباً ، بل أمراً جاریاً مجری الاُمور العادیة .
وأمّا رفع الأثر المناسب : فقد استشکل فیه شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ بأنّه یحتاج لملاحظات عدیدة .
والظاهر : أنّ ما ذکره لیس مانعاً عن الذهاب إلیه ؛ إذ لا نتصوّر فیه منعاً إذا ناسب الذوق العرفی ، بل الوجه فی بطلانه : أنّ رفع الموضوع برفع بعض آثاره لیس أمراً صحیحاً عند العرف الساذج ، بل یری العرف رفع الموضوع مع ثبوت بعض آثاره أمراً مناقضاً ، وإنّما یصحّ فی نظره رفع الموضوع إذا رفع جمیع آثاره تشریعاً حتّی یصحّ ادّعاء رفعه عن صفحة الوجود .
فإن قلت : لو کان الأثر المناسب من أشهر خواصّه وآثاره ؛ بحیث یعدّ العرف ارتفاعه مساوقاً لارتفاع الموضوع فمنع توافق العرف علی هذا الرفع ممنوع .
قلت : رفع الموضوع برفع بعض الآثار الظاهرة إنّما یصحّ لو نزّل غیره منزلة العدم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 40 وإن شئت قلت : إنّ رفع الموضوع بلحاظ رفع بعض آثاره یتوقّف علی تصحیح ادّعائین : الاُولی دعوی أنّ رفع هذا البعض رفع لجمیع آثاره وخواصّه ، الثانیة دعوی أنّ رفع جمیع الآثار وخلوّ الموضوع عن کلّ أثر مساوق لرفع نفس الموضوع .
وهذا بخلاف ما لو قلنا : إنّ المرفوع هو عامّة الآثار ؛ فإنّه لا یحتاج إلاّ إلی الدعوی الثانیة فقط . هذا ، مع أنّ إطلاق الدلیل أیضاً یقتضی رفع الموضوع بجمیع آثاره .
لا یقال : إنّ الدعوی الاُولی ممّا لا خلاف فیه ولا إشکال ؛ فإنّ لهذه العناوین آثاراً غیر شرعیة ، فهی غیر مرفوعة جدّاً . فلابدّ من دعوی أنّ الآثار غیر الشرعیة فی حکم العدم ، أو أنّ الآثار الشرعیة جمیع الآثار ، وأیّ فرق بین أن یقال : إنّ هذا الأثر الشرعی جمیع الآثار الشرعیة ، أو أنّ الآثار الشرعیة تمام الآثار ؟
لأنّا نقول : لا حاجة إلی هذه الدعوی بعدما کان الرفع فی محیط التشریع ؛ فإنّ وظیفة الشارع رفع أو وضع ما هو بیده ، وأمّا الخارج عن یده فلیس له بالنسبة إلیهما شأن . فالآثار التکوینیة مغفول عنها ، فلا یحتاج إلی الدعوی .
لا یقال : إنّ المرفوع بالحدیث عند طروّ الخطأ والنسیان الآثار المترتّبة علی ذات المعنونات ، وأمّا الآثار المترتّبة علی نفس الخطأ والنسیان فغیر مرفوع قطعاً . فعلی هذا یحتاج إلی الدعوی الاُولی .
لأنّا نقول : إنّ المرفوع إنّما هو آثار الخطأ والنسیان المأخوذین طریقاً إلی متعلّقاتهما ، وعنواناً ومرآة إلی معنونهما ؛ فإنّه المتبادر من الحدیث عند الإلقاء .
فعلی هذا فالآثار المترتّبة علی نفس الخطأ والنسیان علی نحو الموضوعیة مغفولة عنها ، فلا یحتاج إلی الدعوی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 41 وإن شئت قلت : إنّ العرف لا یفهم من رفعهما إلاّ رفع آثار ما أخطأ ونسی ، کما هو المتبادر إذا قیل : «جهالاتهم معفوّة» . ویدلّ علی ذلک تعبیر الإمام فی صحیحة البزنطی ؛ حیث نقل الحدیث بلفظ : «ما أخطأوا» .
فظهر : عدم شمول الحدیث للآثار المترتّبة علی نفس العناوین ، وعدم لزوم التفکیک بین فقرات الحدیث ؛ فإنّ أکثر العناوین المذکورة فی الحدیث مأخوذ علی نحو الطریقیة ؛ خصوصاً فیما نسب فیه الرفع إلی الموصول ، فیکون ذلک قرینة علی انتقال الذهن عند استماع إسناد الرفع إلیها إلی رفع آثار معنوناتها ، لا غیر .
نعم ، العناوین الثلاثة الأخیرة ـ الحسد ، والطیرة والوسوسة ـ عناوین نفسیة ، لا مناص فیها إلاّ رفع ما هو آثار لأنفسها ؛ لعدم قابلیتها علی الطریقیة ؛ وإن لزم منه التفکیک ، إلاّ أنّ هذا المقدار ممّا لابدّ منه .
وإن أبیت إلاّ عن وحدة السیاق یمکن أن یقال : إنّ الرفع قد تعلّق فی الجمیع بعناوین نفسیة حسب الإرادة الجدّیة ، إلاّ أنّ ذلک إمّا بذکر نفس تلک العناوین النفسیة ، أو بذکر ما هو طریق إلیها ؛ من الخطأ والنسیان ، أو بتوسّط الموصول ، من دون تفکیک أو ارتکاب خلاف ظاهر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 42