مقالة العلاّمة الحائری فی المقام
ثمّ إنّ شیخنا العلاّمة بعد ما نقل فی المقام ما قدّمناه عن الشیخ الأعظم فی صدر البحث أفاد فی المقام ما هذا تلخیصه ـ مأخوذاً من تقریر بحثه ـ : أنّ لازم البقاء فی هذه المسألة معتمداً علی رأی المفتی الأوّل هو عدم البقاء فی باقی المسائل ، نظیر حجّیة قول السیّد فی الخبر الواحد ؛ من حیث إنّ لازم شمول الأدلّة لقوله خروج الباقی ، وبعد ما فرّق بین المقامین من أنّه لایلزم فی المقام التخصیص المستهجن واللغز والمعمّی ؛ لعدم عموم صادر من المعصوم فیه ، بخلاف باب حجّیة الخبر الواحد أفاد ما هذا ملخّصه :
المحقّق فی المقام فتوی : أنّـه لا یمکن الأخـذ بکلیهما ؛ لأنّ المجتهد بعـد ما نزّل نفسه منزلة المقلّد فی کونه شاکّاً رأی هنا طائفتین من الأحکام ثابتتین للمقلّد : إحداهما فتوی المیّت فی الفروع ، وثانیتهما الفتوی فی الاُصول الناظر إلی الفتاوی فی الفروع ، والمسقط لها عن الحجّیة ؛ فیری أنّ أرکان الاستصحاب فیهما تامّة . وعندئذٍ : لا محیص عن الأخذ بالفتوی الاُصولیة فإنّه :
لو اُرید فی الفرعیة استصحاب الأحکام الواقعیة فالشکّ فی اللاحق موجود دون الیقین السابق ؛ أمّا الوجدانی فواضح ، وأمّا التعبّدی فلارتفاعه بموت المفتی ، فصار کالشکّ الساری .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 678 وإن اُرید استصحاب الحکم الظاهری الجائی من قبل دلیل اتّباع المیّت :
فإن اُرید استصحابه مقیّداً بفتوی المیّت فالاستصحاب فی المسألة الاُصولیة حاکم علیه ؛ لأنّ الشکّ فی المسألة الفرعیة مسبّب عن الشکّ فیها .
وإن اُرید استصحاب ذات الحکم الظاهری وجعل کونه مقول قول المیّت جهة تعلیلیة فاحتمال ثبوته : إمّا بسبب سابق فقد سدّ بابه الاستصحاب الحاکم ، أو بسبب لاحق فهو مقطوع العدم ؛ إذ مفروض الکلام صورة مخالفة فتوی المیّت للحیّ ، نعم یحتمل بقاء الحکم الواقعی ، لکن لایکفی ذلک فی الاستصحاب ؛ لأنّه مع الحکم الظاهری فی رتبتین وموضوعین فلا یکون أحدهما بقاء الآخر ، لکن یجری استصحاب الکلّی ، بناءً علی جریانه فی القسم الثالث .
وإن اُرید استصحاب حجّیة الفتاوی الفرعیة فاستصحاب الحجّیة فی الاُصولیة حاکم علیه ؛ لأنّ شکّه مسبّب عنه ؛ لأنّ عدم حجّیة تلک الفتاوی أثر الحجّیة هذه ، ولیس الأصل مثبتاً ؛ لأنّ هذا من الآثار الثابتة لذات الحجّة الأعمّ من الظاهریة والواقعیة .
ثمّ إنّه ـ أعلی الله مقامه ـ رجع أخیراً عن جریان الاستصحاب الاُصولیة بتقریب : أنّ مقتضی جریانه الأخذ بخلاف مدلوله ، ومثله غیر مشمول لأدلّة الاستصحاب ؛ فإنّ مقتضی الأخذ باستصحاب هذه الفتوی سقوط فتاویه عن الحجّیة ، ومقتضی سقوطها الرجوع إلی الحیّ ، وهو یفتی بوجوب البقاء .
فالأخذ بالاستصحاب فی الاُصولیة التی مفادها عدم الأخذ بفتاویه فی الفرعیات لازمه الأخذ فی الفرعیات بها ، وهذا باطل ؛ وإن کان اللزوم لأجل الرجوع إلی الحیّ ، لا لکون مفاد الاستصحاب ذلک ؛ إذ لا فرق فی الفساد بین الاحتمالین .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 679 هذا ، مضافاً إلی أنّ المسؤول عنه فی الفرعیات المسألة الاُصولیة ـ أعنی الذی هو المرجع فیها ـ فلا ینافی مخالفة الحیّ للمیّت فی نفس الفروع مع إفتائه بالبقاء فی المسألة الاُصولیة . وأمّا الفتوی الاُصولیة فنفسها مسؤول عنها ، ویکون الحیّ هو المرجع فیها ، وفی هذه المسألة لا معنی للاستصحاب ، بعد أن یری الحیّ خطأ المیّت ، فلا حالة سابقة حتّی تستصحب ، انتهی .
وفیما أفاده رحمه الله مواقع للنظر ، نشیر إلی مهمّاتها :
منها : أنّ عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام الواقعیة لیس لأجل عدم الیقین السابق بکلاشقّیه الوجدانی والتعبّدی ، بل هو غیر جارٍ وإن فرض وجود الیقین السابق ؛ لتقوّم الاستصحاب بأمرین : بالیقین السابق والشکّ فی الشیء شکّاً فی البقاء ، ولیس الشکّ فی المقام شکّاً فی بقائه ؛ لأنّ الشکّ فی بقاء الأحکام الکلّیة الواقعیة إنّما یتصوّر إذا کان الشکّ مسبّباً عن احتمال النسخ أو احتمال فقدان الشرط أو احتمال وجدان المانع ، ولیس المقام من هذا القبیل . کما هو واضح .
وإنّما الشکّ فیه ممحّض فی حجّیة الفتوی وجواز العمل بها . نعم لو قلنا بالسببیة والتصویب کان الشکّ فی البقاء لتطرّق أحد الاحتمالات المتقدّمة ، لکنّه باطل عندنا .
ومنها : أنّ ما ذکره من منع استصحاب الأحکام الفرعیة لأجل حکومة الاستصحاب فی الاُصولیة علیه ممنوع ؛ لأنّ الشکّ فی بقاء الأحکام الفرعیة لیس مسبّباً عن الشکّ فی الاُصولیة ، بل کلاهما مسبّبان عن أمر ثالث ؛ وهو الشکّ فی اعتبار الحیاة فی المفتی وعدمه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 680 فالمجتهد إذا قام مقام المقلّد ـ کما هو المفروض ـ یکون شکّه فی جواز العمل علی فتاوی المیّت فی الاُصول والفروع ناشئاً مـن الشکّ فی اعتبار الحیاة فـی المفتی ، وجـواز العمل فی کـلّ منهما مضادّ للآخـر ؛ إذ مقتضی جـواز کلّ عـدم جواز الآخر .
لا یقال : إنّ مقتضی إرجاع الحیّ المقلّدَ إلی المیّت کون شکّه فی الاُصولیة سبباً وفی الفروعیة مسبّباً .
لأنّا نقول : هذا خلاف المفروض ؛ إذ المفروض أنّه بعد لم یقلّد فیها عن الحیّ ، وإلاّ فلا یبقی له فیها شکّ .
أضف إلی ذلک : أنّ مجرّد کون الشکّ فی إحدی الفتوائین مسبّباً عن الاُخری لایوجب حکومة الأصل الجاری فی ناحیة السبب علی الجاری فی المسبّب ، وقد أوضحنا حاله فی خاتمة الاستصحاب .
ومجمل ما قلناه هناک : أنّه لاتعارض بین السببی والمسبّبی ؛ لاختلاف موضوعهما ، وأنّهما فردان عرضیان لقوله علیه السلام : «لاتنقض الیقین بالشکّ» ومعه لا وجه لحکومة أحدهما علی الآخر .
نعم ، الأصل الجاری فی ناحیة السبب ینقّح موضوع الدلیل الاجتهادی . فالحاکم إنّما هـو الدلیل الاجتهادی الـذی نقّح موضوعـه الأصل السببی ، دون الأصل السببی .
مثلاً إذا غسل الثوب النجس بماء مشکوک الکرّیة ، وضمّ ما هو أمر وجدانی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 681 بما هو مفاد الاستصحاب یصیر المحصّل : هذا الثوب النجس قد غسل بماء محکوم بالکرّیة شرعاً ، ویصیر هذا المحصّل صغری لکبری شرعیة ؛ وهو أنّ کلّ متنجّس قد غسل بماء الکرّ فهو طاهر . وهذه الکبری الشرعیة حاکمة علی الأصل الجاری فی ناحیة المسبّب ؛ أعنی أصالة بقاء النجاسة فی الثوب .
والحاصل : أنّ مفاد الأصل المسبّبی هو أنّ هذا الثوب المشکوک طهارته ونجاسته محکوم بالنجاسة ، ولسان الدلیل الاجتهادی حاکم علی هذا الأصل حسب ما قرّر فی محلّه .
وتوهّم کفایة الأصل السببی فی المقام ، من دون احتیاج إلی الدلیل الاجتهادی ، بتقریب : أنّ معنی التعبّد ببقاء الکرّیة شرعاً هو ترتیب آثارها الشرعیة ، التی منها طهارة الثوب .
مدفوع ؛ بأنّ مقتضی الاستصحاب إنّما هو عدم جواز نقض الیقین بالشکّ ؛ أعنی الحکم ببقاء الکرّیة فقط ، وأمّا ترتیب الآثار فإنّما هو بالدلیل الاجتهادی دون نفس الاستصحاب .
وأمّا ما یدور فی الألسن من أنّ مفاد الاستصحاب فی الأحکام إنّما هو إبقاؤها ، وأمّا فی الموضوعات فإنّما هو ترتیب آثارها ممّا لاسند له ، بل مقتضی الاستصحاب فی کلا الموردین أمر واحد ؛ وهو الحکم ببقاء ما تعلّق به الیقین ؛ موضوعاً کان أو حکماً ، وأمّا ترتیب الأثر بعد إحراز بقاء الموضوع بالأصل فإنّما هو علی عاتق الدلیل الاجتهادی .
والشاهد علیه : إنّما هو اتّحاد دلیل الاستصحاب فی الموردین ، فکما أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 682 معنی الاستصحاب فی الأحکام إنّما هو بقاء ذواتها فکذلک فی الموضوعات . نعم لو لم یکن الموضوع المستصحب مصداقاً للکبری الشرعیة الاجتهادیة لما صحّ استصحابه ، ولا التعبّد ببقائه .
أضف إلی ذلک : أنّا لو سلّمنا أنّ معنی استصحاب الکرّیة إنّما هو طهارة الثوب ، من دون احتیاج إلی الدلیل الاجتهادی ، لکنّه لایستلزم تقدّم الأصل السببی علی المسبّبی ، فکما أنّ معنی بقاء الکرّیة والبناء علیها هو طهارة الثوب المغسول به ، فهکذا مفاد الاستصحاب فی ناحیة المسبّب إنّما هو الحکم ببقاء النجاسة فی الثوب المغسول .
ولیس الغرض من استصحاب بقاء النجاسة فیه سلب الکرّیة عن الماء حتّی یقال : إنّه مثبت ، بل الحکم ببقائها فیه فقط .
وتوهّم : أنّه لایمکن التفکیک بین کرّیة الماء وطهارته ، وعدم کرّیته ونجاسته غیر صحیح جدّاً ؛ فإنّ التفکیک بین اللازم والملزوم فی الأحکام الظاهریة جائز واقع ، فراجع . هذا خلاصة ما حرّرناه هناک ، وعلیک بالمراجعة إلی محلّه تفصیلاً .
وبذلک یتّضح لک : صحّة ما قلناه من عدم حکومة الأصل الجاری فی المسألة الاُصولیة علی الجاری فی ناحیة الفروع ؛ لعدم دخول المجری فی الاُصولیة تحت دلیل اجتهادی حاکم علی الأصل المسبّبی .
ومجرّد کون مفاده فی الاُصولیة عدم جواز العمل بفتاوی المیّت عند الشکّ لایوجب تقدّمه علی ما مفاده جواز العمل بفتاواه لدیه ؛ إذ کلاهما مسبّبان عن أمر ثالث تقدّم بیانه .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 683 وبذلک یظهر النظر أیضاً فی إحدی شقوق کلامه ؛ أعنی قوله من حکومة استصحاب الحجّیة فی المسألة الاُصولیة علی استصحابها فی الفروع ؛ لکون الشکّ سببیاً . وجه النظر ـ مضافاً إلی ما أوضحناه فی محلّه من عدم جریان استصحاب الحجّیة ؛ لا الشرعیة ولا العقلائیة منها ـ أنّ الشکّ فی کلیهما مسبّبان عـن أمـر ثالث ، کما أوضحناه . وبالجملة : فهذا الشقّ مشترک مع الشقّ المتقدّم ؛ بیاناً وإشکالاً ، فلاحظ .
ومنها : أنّ ما أفاده من منع جریان استصحاب الحکم الظاهری إذا جعل کونه مقول قول المیّت جهة تعلیلیة ؛ لأجل أنّ احتمال ثبوته بسبب سابق فقد سدّ بابه الاستصحاب الحاکم . . .إلی آخره ، غیر صحیح ـ وإن قلنا فی الفرض المتقدّم بتقدّم الأصل السببی علی المسبّبی ـ فإنّ نفی المسبّب بنفی سببه من أوضح مصادیق الاُصول المثبتة ؛ وإن کان السبب شرعیاً ؛ لأنّ ترتیب المسبّب علی سببه من الأحکام العقلیة مطلقاً ؛ سواء کان المسبّب شرعیاً أو تکوینیاً .
نعم ، لو کان الترتیب مثل المسبّب أیضاً شرعیاً کان لما ذکره مجال ، کما فی قوله : «العصیر العنبی إذا غلی أو نشّ یحرم» ، ولکنّه غیر موجود فی المقام .
ومنها : ما ذکره من جریان استصحاب الکلّی الجامع بین الحکم الظاهری والواقعی ، بناءً علی جریانه فی القسم الثالث ؛ إذ فیه ـ مضافاً إلی أنّ الجامع فی الأحکام الشرعیة أمر انتزاعی غیر مجعول شرعاً ـ أوّلاً : أنّ الحکم الواقعی غیر مشکوک البقاء ، علی ما عرفت منّا توضیحه ؛ فإنّ الشکّ فی بقائه إنّما فیما إذا کان
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 684 الشکّ ناشئاً من احتمال النسخ أو فقدان الشرط أو وجدان المانع ، والاحتمالات الثلاثة غیر موجودة فی المقام .
وثانیاً : أنّه إذا قلنا بتقدّم الأصل السببی علی المسبّبی یسقط الحکم الظاهری ؛ لما اعترف رحمه الله من حکومة الأصل الجاری فی ناحیة المسألة الاُصولیة علی الفرعیة ، ومعه لاعلم بالأحکام الظاهریة .
فعلی القول بالحکومة یسقط الحکم الظاهری ، وبسقوطه لا دلیل ـ فعلاً ـ علی ثبوت الحکم الواقعی ، لسرایة الشکّ إلی السابق ، ومعه لا علم بالجامع فعلاً .
فاستصحاب الکلّی إنّما یجری إذا علم بالجامع فعلاً وشکّ فی بقائه ، وهو غیر نظیر المقام ، الذی إذا انعدم أحد الفردین ینعدم الآخر من الأوّل ، أو ینعدم الدلیل علی ثبوته من الأوّل ، فتدبّر .
ومنها : أنّ ما اختاره فی آخر کلامه من عدم جریان الاستصحاب فی الاُصولیة ؛ فإنّ مقتضی جریانه الأخذ بخلاف مدلوله ؛ فإنّ مقتضی الأخذ باستصحاب هذا الفتوی سقوط فتاواه عن الحجّیة ، ومقتضی سقوطها الرجوع إلی الحیّ . . . إلی آخر کلامه غیر وجیه ؛ فإنّ مقتضی الاستصحاب وإن کان سقوط حجّیة فتاواه الفرعیة إلاّ أنّ الرجوع إلی الغیر لیس أمراً لازماً له ؛ لإمکان العمل بالاحتیاط بعد سقوطها عن الحجّیة .
وإن شئت قلت : إنّ سقوط الفتاوی عن الحجّیة أمر ، والرجوع إلی الغیر أمر آخر غیر ملازم معه ، وسقوطها عن الحجّیة وإن جاء من قبل الاستصحاب إلاّ أنّ الرجوع إلی الغیر لیس من لوازمه وشؤونه .
نعم ، لو رجع إلی الغیر ، وکان فتوی الغیر لزوم البقاء علی رأی المیّت یلزم منه حجّیة فتاواه السابقة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 685 فاتّصافها بالحجّیة بعد سقوطها عنها لیس من جانب الاستصحاب ، بل لأجل الرجوع إلی الغیر ، وهو رحمه الله وإن أشار إلی ما ذکرنا لکنّه لم یجب عنه بجواب مقنع ، فلاحظ .
وتوهّم : أنّ دلیل الاستصحاب منصرف عن هذا المورد ، منقوض بالأصل المسبّبی والأصلین المتعارضین ؛ لأنّ إجراء الاستصحاب لغایة السقوط أسوأ حالاً من المقام ؛ لما عرفت أنّ الأخذ بالفتاوی الفرعیة الساقطة عن الحجّیة بالأصل الجاری فی المسألة الاُصولیة إنّما هو لأجل دلیل آخر ، مثله أو أقوی منه .
علی أنّ الإشکال فی الموارد الثلاثة إنّما یتّجه إذا کان الدلیل خاصّاً وارداً لبیان مورد من تلک الموارد ، وأمّا إذا کان الدلیل إطلاق الکبری الواردة فی باب الاستصحاب فلا مجال لما ذکر من التوهّم ، وکم فرق بین تعرّض الدلیل لخصوص المورد وبین شموله له بإطلاقه !
ومنها : أنّ ما أفاده من سقوط الاستصحاب فی الاُصولیة ؛ لکون الحیّ هو المرجع فیها ، وفی هذه المسألة لا معنی للاستصحاب بعد أن یری الحیّ خطأ المیّت ، مدفوع بما أفاده رحمه الله فی صدر البحث ؛ فإنّ ما ذکره إنّما یصحّ لو کان المستصحِب هو المجتهد ، وأراد إجراء الاستصحاب لنفسه ، ولکنّه غیر مفروض البحث ؛ فإنّ المستصحِب إنّما هو العامّی دون المفتی ، وهو بعدُ شاکّ .
وقد صرّح بذلک فی صدر البحث ، وقال : إنّ فی المقام فتواآن لایمکن الأخذ بکلیهما ؛ لأنّ المجتهد لمّا نزّل نفسه منزلة المقلّد فی کونه شاکّاً . . . إلی آخره .
وبالجملة : أنّ المجتهد نزّل نفسه منزلة العامّی فی الشکّ فی الواقعة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 686