أصالة عدم التذکیة فی الشبهة الموضوعیة
أمّا الشبهة الموضوعیة ؛ سواء کان مصبّ الشکّ نفس الحیوان ؛ بأن یشکّ فی أنّ هذا الحیوان هل ذکی أو لا ، أو کان أجزاؤه کما لو شکّ فی أنّ الجزء الفلانی ـ کالجلد ـ هل هو مأخوذ من المذکّی أو غیره ، أو من مشکوکه ممّا هو محلّ الابتلاء ـ علی القول بشرطیة الابتلاء فی تأثیر العلم الإجمالی ـ ففی جریان أصالة عدم
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 142 التذکیة مطلقاً ، أو التفصیل بین الصور إشکال ، وما نذکره من النقض والإبرام مع قطع النظر عن الإشکال السیّال الذی یعمّ عامّة الصور ـ حکمیة کانت أو موضوعیة ـ ولا بأس أن نشیر إلی صورها :
الاُولی : لو ذبح الحیوان وشککنا فی وقوع التذکیة علیه ، أو اللحم المطروح فی الطریق المأخوذ من حیوان شکّ فی تذکیته ، وهذا ما تسالم فیه القوم علی جریان الأصل ، والحقّ معهم إذا أغمضنا النظر عن الإشکال السیّال .
الثانیة : الجزء المأخوذ من أحد حیوانین نعلم أنّ أحدهما المعیّن مذکّی والآخر غیر مذکّی ، ولکن نشکّ فی أنّ هذا الجزء هل هو مأخوذ من هذا أو ذاک ؟
فإن قلنا : إنّ التذکیة من أوصاف الحیوان وعوارضه ، وإنّ الموصوف بها وبعدمها إنّما هو نفس الحیوان ، وإنّما تنسب إلی الأجزاء بتبع الحیوان فالجزء بما هو هو لا مذکّی ولا غیر مذکّی ، فلا شکّ فی خروج الجزء من مصبّ الأصل ، فیسقط أصالة عدم التذکیة فی الجلود واللحوم المتّخذة من أحد حیوانین نعلم حالهما تعیّناً ، ویرجع إلی أصالتی الحلّیة والطهارة .
وإن قلنا : باتّصاف الجزء بالتذکیة حقیقة ، وأنّ التذکیة یرد علی الجزء والکلّ عرضاً لا تبعاً فأصالة عدم التذکیة محکّمة فی الجزء ، مع الغضّ عن الإشکال السیّال .
الثالثة : تلک الصورة ، ولکن اشتبه المذکّی بغیره ، ولم یکن فی المقام طریق إلی تشخیصهما ، ویتصوّر ذلک علی وجوه :
فإنّ الحیوانین إمّا أن یکونا فی مورد الابتلاء ، أو کان کـلّ واحـد خارجاً عـن محلّ الابتلاء ، أو کان المتّخذ منه داخلاً والآخـر خارجاً ، أو بالعکس ؛ فهنا وجوه أربعة :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 143 الأوّل : إذا کان الحیوانان فی محلّ الابتلاء ؛ فإن قلنا بأنّ المانع من جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی هو المخالفة العملیة ، وأنّه لولا المخالفة لما کان مانع من جریانه فیجری الأصل فی الحیوانین ، ویحکم للجزء أیضاً بعدم التذکیة ؛ لعدم لزوم مخالفة عملیة فی المقام من اجتناب کلا الحیوانین .
وأمّا لو قلنا بعدم جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی ؛ لانصراف الأدلّة ، أو لأجل تناقض الصدر مع الذیل ، أو قلنا بأنّه یجری ولکنّه یسقط بالتعارض فحینئذٍ لو اخترنا أنّ الشکّ فی تذکیة الجزء ناشٍ ومسبّب عن تذکیة الکلّ ؛ بحیث یکون الأصل الجاری فی ناحیة الجزء فی طول الأصل الجاری فی جانب الکلّ ، کالملاقی ـ بالکسر ـ بالنسبة إلی الملاقی ، فلا شکّ أنّ حکم الجزء هنا کحکم الملاقی ـ بالکسر ـ فیخرج السبب عن مصبّ الأصل ـ سواء کان الأصل عدم التذکیة ، أو الطهارة والحلّیة ـ إمّا لعدم جریانه أو لسقوطه بالتعارض ، فیصل النوبة إلی الأصل الجاری فی ناحیة المسبّب .
وبما أنّ التذکیة وعدمها وصفان للحیوان لا لأجزائه فما هو غیر المذکّی ـ زهق روحه بلا کیفیة خاصّة ـ عبارة عن الحیوان ، کما أنّ المذکّی عبارة عن الحیوان المذبوح بالشرائط الشرعیة .
وأمّا الحکم بنجاسة الأجزاء وحرمتها أو طهارتها وحلّیتها إنّما هو من جهة أنّها أجزاء للمذکّی أو لغیر المذکّی . فحینئذٍ یسقط أصالة عدم التذکیة فی ناحیة المسبّب ـ الجزء ـ فیصل النوبة إلی اُصول حکمیة ؛ من أصالتی الطهارة والحلّیة ؛ لولا منجّزیة العلم الإجمالی ، ومعها لابدّ من الاجتناب .
الثانی : إذا کان الحیوانان خارجین من محلّ الابتلاء : فإن قلنا إنّ الخروج عن محلّ الابتلاء یوجب عدم فعلیة الحکم وعدم صحّة جریان الأصل فیه ـ کما هو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 144 المشهور بین المتأخّرین ، وسیوافیک فی محلّه کونه خلاف التحقیق ـ فالأصل وإن کان غیر جارٍ فی الحیوان الذی لم یتّخذ منه ؛ لعدم ترتّب أثر علیه إلاّ أنّ الحیوان المتّخذ منه هذا الجزء وإن کان خارجاً عن محلّ الابتلاء إلاّ أنّه یجری الأصل فیه ؛ لأنّه غیر خالٍ عن الأثر ، باعتبار جزئه الداخل فی محلّ الابتلاء .
الثالث : ما لو کان المأخوذ منه خارجاً وغیر المأخوذ منه داخلاً فی محلّ الابتلاء ؛ فیجری الأصل فی غیر المأخوذ منه بلا إشکال ؛ لوقوعه فی محلّ الابتلاء ، وکذا فی المأخوذ منه الخارج عن الابتلاء ؛ لوقوع جزئه مورداً للتکلیف والابتلاء ، فالأصل الجاری فی ناحیة الکلّ غیر خالٍ عن الأثر .
وإن شئت قلت : إنّ التفصیل الجاری فی الشقّ المتقدّم حسب اختلاف المبانی فی جریان الأصل فی أطراف العلم الإجمالی جارٍ فی المقام ؛ لأنّ خروج المأخوذ منه عن محلّ الابتلاء غیر مؤثّر ، بل خروجه کلا خروجه ؛ لکون جزئه واقعاً مورداً للابتلاء ، فیتصوّر فیه التفصیل المتقدّم بین المبانی ، فتذکّر .
الرابع : عکس الشقّ المتقدّم ؛ بأن کان المأخوذ منه داخلاً فی محلّ الابتلاء وغیر المأخوذ منه خارجاً ، فحکمه واضح ؛ لما مرّ ، بل لا علم إجمالی بالتکلیف الفعلی أصلاً ؛ لخروج أحد الطرفین عن محلّ الابتلاء ، فصار الداخل کالشبهة البدویة ، فیجری فیه الأصل ، ویحکم فی الجزء بالحرمة والنجاسة .
هذا کلّه مع الغضّ عن الإشکال السیّال .
هذه هی الأقسام الأربعة التی کلّها من شقوق الصورة الثالثة ، فبقی فی المقام صورة رابعة ؛ لا بأس بالإشارة إلیها ؛ تکمیلاً للغرض :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 145 الصورة الرابعة : الشکّ فی جزء من الحیوان بأنّه مأخوذ من الحیوان المشکوک تذکیته أو من المعلوم تذکیته أو المعلوم عدم تذکیته ، کالجلود التی صنعت فی بلاد الکفر ممّا هی مشتبهة بین الجلود التی نقلت من بلاد المسلمین إلیهم ، فصنعوا ما صنعوا ، ثمّ ردّت إلیهم بضاعتهم ، وبین غیرها ممّا هو من جلود ذبائحهم أو ممّا هو مشکوک تذکیته .
ففی هذه الصورة لا تجری أصالة عدم التذکیة ، علی القول بأنّ التذکیة واللاتذکیة إنّما تعرضان الحیوان لا أجزائه ، فلا یجری الأصل بالنسبة إلیها .
وأمّا بالنسبة إلی الحیوان المأخوذ منه بعنوانه المبهم ؛ بأن یقال : الأصل عدم تذکیة ما اُخذ الجزء منه فلا یجری أیضاً ؛ لکونه من قبیل الشبهة المصداقیة ؛ لدلیل الأصل ، فإنّ المأخوذ منه أمره دائر بین المعلوم والمشکوک ؛ فإن اُخذ من المعلوم تذکیته فیکون من قبیل نقض الیقین بالیقین ، وإلاّ فیکون من نقض الیقین بالشکّ .
مضافاً إلی أنّ جریان الأصل فیه لا یثبت کون الجزء منه .
هذا تمام الکلام فی توضیح هذا الأصل .
وقـد عرفت : أنّ المهمّ فی المقام رفـع غائلة الإشکال السیّال ، وهـو بعـد باقٍ بحاله .
ثمّ إنّا قد ذیّلنا البحث فی الدورة السابقة بالبحث عن التفصیل الظاهر من بعض الأساطین بین الطهارة والحلّیة ، وأردفناه بنقل بعض التوجیهات المنقولة عن شارح «الروضة» وعن بعض الأعاظم قدس سره وما فیه ، ولکن الأولی عطف عنان البحث إلی بقیة التنبیهات :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 146