تصحیح عبادیة الشیء بأوامر الاحتیاط
لو قلنا بعـدم إمکان الاحتیاط مـع احتمال الأمـر فهل یمکن تصحیح عبادیـة الشیء لأجل أوامر الاحتیاط ، فیقصد المکلّف الأمر الاحتیاطی المتعلّق بالعبادة أو لا ؟
التحقیق هو الثانی ؛ لأنّ احتمال شمول أدلّة الاحتیاط للشبهات الوجوبیة فرع إمکان الاحتیاط فیها ، وقد فرضنا امتناع الاحتیاط فیها ، ومع ذلک فکیف یحتمل إطلاق أدلّة الاحتیاط لها ولغیرها ؟ !
والحاصل : أنّ قصد الأمر الاحتیاطی جزماً عند الإتیان بالشبهات الوجوبیة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 150 فرع صدق الاحتیاط فیها قبل الأمر ، مع أنّ إمکان الاحتیاط فیها موقوف علی قصد أمره ؛ بحیث لولا هذا القصد لما صحّ أن یقال : إنّ هذا العمل احتیاط فی العبادة . وبعبارة أوضح : تعلّق أوامر الاحتیاط بالعبادات المحتملة یتوقّف علی إمکانه فیها ، ولو توقّف إمکانه علیه یلزم توقّف الشیء علی نفسه .
فإن قلت : إنّما یتعلّق أوامر الاحتیاط بذات العمل مع قطع النظر عن قصد التقرّب أو مع قطع النظر عن الإتیان بداعی احتمال الأمر .
قلت : إنّ انطباق عنوان الاحتیاط علی ذات العمل لا یوجب کون ذات العمل متعلّقاً للأمر ؛ لما مرّ مراراً من أنّ انطباق عنوان علی شیء لا یوجب تعدّی الأمر عن متعلّقه إلی عنوان آخر یعدّ منطبقاً ـ بالفتح ـ له ، وتجد تفصیل هذا الموضوع فی مبحث اجتماع الأمر والنهی .
وعلیه : فلا یعقل تعلّق الأمر الاحتیاطی المفروض تعلّقه فی لسان الدلیل بعنوان الاحتیاط بنفس الفعل المشکوک وجوبه ، وإلاّ لزم تجافی الأمر عن متعلّقه بلا ملاک ، وتخلّف الإرادة عن المراد .
ویشهد لما ذکرنا : اختلافات کیفیة الاحتیاط فی الواجبات والمحرّمات ، فالاحتیاط فی الأوّل بالإتیان وفی الثانی بالترک ، فلو تعلّق الأمر المتعلّق بعنوان الاحتیاط بذات العمل لزم أن یکون قوله : «فاحتط لدینک» تارة بعثاً إلی الفعل
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 151 واُخری زجراً عنه ؛ لأنّ المفروض وقوع نفس هذه الأفعال محطّاً للخطاب دون عنوان الاحتیاط .
وهذا بخلاف القول بأنّ الأمر متعلّق بنفس عنوان الاحتیاط . غایة الأمر : أنّ امتثال الأمر الاحتیاطی یختلف عند العقل فی الواجبات والمحرّمات .
مع أنّ تعلّق الأمر بالاحتیاط بذات العمل خروج عن الاحتیاط ؛ فإنّ الاحتیاط فی التعبّدیات إتیانها بعنوان احتمال التعبّدیة .
ثمّ إنّه تصدّی بعض أعاظم العصر قدس سره للجواب عمّن تصدّی لتصحیح العبادات بأوامر الاحتیاط ، ونحن قد أوردنا مثل هذا البیان عنه قدس سره عند البحث عن اجتماع الأمر والنهی ، وعلیه فلا ملزم لذکره مع ما فیه ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 152