الروایة السادسة : حسنة ابن الطیّار
ومن الروایات : ما رواه ثقة الإسلام فی باب البیان والتعریف عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر عن جمیل بن درّاج عن ابن الطیّار عن أبی عبدالله علیه السلام قال : «إنّ الله احتجّ علی الناس بما آتاهم وعرّفهم» .
فدلّت علی أنّ التکلیف فرع التعریف ، وإیتاء القدرة الذی علیه قوله تعالی : «لا یُکَلِّفُ الله ُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها» ، و«لا یُکَلِّفُ الله ُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» ، وقد استدلّ بهما الإمام فی روایة عبد الأعلی کما تقدّم .
والمعنی المتبادر منها حسب مناسبة الحکم والموضوع شرطیة التعریف والإیتاء فی کلّ التکالیف علی کلّ فردٍ فردٍ من المکلّفین حتّی یتمّ الحجّة بالنسبـة إلی کلّ واحد منهم ، وأنّ التعریف للبعض لا یکفی فی التکلیف علی الجمیع ؛ لأنّ المقصود إنّما هو إتمام الحجّـة ، وهـو لا یتمّ إلاّ إذا حصل الأمـران عند کلّ واحدٍ واحدٍ منهم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 70 وعلی ذلک : فلو فحص المکلّف عن تکلیفه فحصاً تامّاً ولم یظفر به ؛ وإن صدر من الشارع حکمه ، غیر أنّ الحوادث عاقت بینه وبین تکلیفه ، لم یصدق أنّه عرّفه وآتاه .
فإن قلت : قد رواه ثقة الإسلام أیضاً فی باب حجج الله ـ عزّوجلّ ـ علی خلقه ، وهو مذیّل بجملة ربّما توهم خلاف ما ذکرنا ، وإلیک الروایة : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن علی بن الحکم عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطیّار عن أبی عبدالله علیه السلام قال : قال لی : اُکتب فأملی علیّ : «أنّ من قولنا : إنّ الله یحتجّ علی العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثمّ أرسل إلیهم رسولاً وأنزل علیهم الکتاب فأمر فیه ونهی . . .» إلی آخره .
فإنّ ظاهر الروایة : أنّ التعریف والإیتاء کانا قبل إرسال الرسل وإنزال الکتب . ومن المعلوم أنّ المراد من هذا التعریف ـ عندئذٍ ـ هو التوحید الفطری بالله وصفاته ، لا المعرفة بأحکامه ، فیکون أجنبیاً عن المقام ، وحینئذٍ فالتقطیع من ناحیة الراوی .
قلت : ما ذکر من الذیل لا یضرّ بما نحن بصدده ؛ فإنّ ما بعده شاهد علی أنّ المقصود هو التکلیف بالأحکام الفرعیة ، فإلیک الذیل : «أمر فیه بالصلاة والصوم ، فنام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن الصلاة ، فقال : أنا اُنیمک وأنا اُوقظک ، فإذا قمت فصلّ لیعلموا إذا أصابهم ذلک کیف یصنعون ، لیس کما یقولون إذا نام عنها هلک وکذلک الصیام أنا اُمرضک وأنا اُصحک فإذا شفیتک فاقضه» .
فعلی هذا فلا یمکن الأخذ بظاهر الروایة ؛ لأنّ ظاهرها : أنّ إرسال الرسل وإنزال الکتب بعد الاحتجاج بما آتاهم وعرّفهم ، فلابدّ أن یقال : إنّ المقصود منه أنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 71 سنّة الله تعالی هو الاحتجاج علی العباد بما آتاهم وعرّفهم ، وهی منشأ لإرسال الرسل والتعریف ، ولأجل ذلک تخلّل لفظة «ثمّ» بین الأمرین .
فإن قلت : ما دلّ من الأخبار علی لزوم الاحتیاط وارد علی هـذه الروایـة ؛ فإنّ التعریف کما یحصل ببیان نفس الأحکام ، کذلک یحصل بإلزام الاحتیاط فی موارد الأحکام .
قلت : لو لم نقل بحکومتها علی أخبار الاحتیاط فلا أقلّ بینهما التعارض ؛ فإنّ مفاد الروایة : أنّ الاحتجاج لا یتمّ إلاّ ببیان نفس الأحکام وتعریفها ، فلو تمّ الاحتجاج بإیجاب الاحتیاط مع أنّه لیس بواجب نفسی ، ولا طریق إلی الواقع لزم إتمام الحجّة بلا تعریف ، وهو یناقض الروایة .
وإن شئت قلت : إنّ المعرفة بالأحکام موجبة للاحتجاج ، وبما أنّه فی مقام الامتنان والتحدید تدلّ علی أنّه مع عدم المعرفة لا یقع الاحتجاج ، ولا یکون الضیق والکلفة ، کما دلّ علیه ذیل الروایة الثانیة .
ولزوم الاحتیاط لا یوجب المعرفة بالأحکام ؛ ضرورة عدم طریقیته للواقع ؛ لا حکماً ولا موضوعاً ، فلو احتجّ بالاحتیاط لزم الاحتجاج بلا تعریف . بل لا یبعد حکومتها علی أدلّة الاحتیاط ؛ لتعرّضها لما لم یتعرّض به أدلّة الاحتیاط ؛ لتعرّضها لنفی الاحتجاج ما لم یعرّف ولم یبیّن ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 72