الاستدلال بالإجماع والعقل علی البراءة
أمّا الإجماع : فلا یفید فی المقام أصلاً ؛ لکون المسألة ممّا تظافرت به الأدلّة النقلیة وحکم به العقل ، فمن القریب جدّاً أن یکون المدرک لإجماعهم هو تلک الأدلّة .
وأمّا دلیل العقل : فلا إشکال أنّ العقل یحکم بقبح العقاب بلا بیان ـ أی بلا حجّة ـ وهذا حکم قطعی للعقل ، یرتفع موضوع ذاک الحکم بوصول البیان إلی المکلّف بالعنوان الأوّلی ، أو بإیجاب الاحتیاط والتوقّف فی الشبهات ، وهذا ممّا لا إشکال فیه .
ثمّ إنّه یظهر عن بعضهم : أنّه لا یحتاج الاُصولی إلی هذه الکبری ؛ لأنّ الملاک فی استحقاق عقوبة العبد فی مخالفة مولاه هو عنوان الظلم ؛ فإنّ مخالفة ما قامت علیه الحجّة خروج عن رسم العبودیة ، وهو ظلم من العبد إلی مولاه ، یستوجب العقوبة . وأمّا مع عدم قیام الحجّة فلا یکون ظالماً ، فلا یستحقّ العقوبة ، وهو کافٍ فی المقام .
وأمّا کون العقاب بلا بیان قبیحاً فغیر محتاج إلیه فیما یرتأیه الاُصولی ؛ وإن کان فی نفسه صحیحاً .
أقول : إنّ العقل مستقلّ بوجوب إطاعة المنعم وقبح مخالفته واستحقاق المتخلّف للعقوبة ، وهذا الحکم ـ استحقاقه للعقوبة ـ لیس بمناط انطباق عنوان الظلم علیه ، بل العقل یستقلّ بهذا مع الغفلة عن الظلم . علی أنّ کون مطلق المخالفة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 86 ظلماً للمولی محلّ بحث وإشکال ، هذا أوّلاً .
وأمّا ثانیاً : فلأنّ المرمی فی المقام هو تحصیل المؤمّن عن العقاب ؛ حتّی یتسنّی له الارتکاب ، وهو لا یحصل إلاّ بالتمسّک بهذه الکبری التی مآلها إلی قبح صدور العقاب من المولی الحکیم العادل .
وأمّا مجرّد دفع الاستحقاق بمناط أنّ الارتکاب لیس بظلم فلا یکفی فی ذلک ؛ لأنّ دفع الاستحقاق عن ناحیة الظلم وحصول الطمأنینة من تلک الناحیة لا یصیر مؤمّناً عن عامّة الجهات ما لم ینضمّ إلیه الکبری المذکورة .
وربّما یقال : إنّ مناط حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان واقعی غیر مناط حکمه بقبح العقاب حتّی من غیر بیان واصل إلی المکلّف ؛ فإنّه لم یحصل فی الأوّل تفویت لمراد المولی ، ولم تتمّ مبادئ الإرادة الآمریة ، فلا مقتضی لاستحقاق العقاب . بخلاف الثانی ؛ فإنّ ملاک عدم الاستحقاق فیه عدم استناد فوت المطلوب إلی العبد ، انتهی .
وفیه : أنّ ما ذکر من الفرق غیر فارق ، ولا یتجاوز عن بیان خصوصیة الموردین . وأمّا اختلافهما فی المناط فلا یستفاد منه ، بل المناط فیهما واحـد ؛ وهـو قبح العقاب بلا حجّة ؛ سواء لم یکن بیان من رأس أو کان ولم یصل إلیه .
فالعقاب فی کلا القسمین عقاب بلا جهة ولا حجّة ، وکلاهما من مصادیق الظلم ، والمناط فی کلا القسمین واحد ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 87