الأمر الخامس : فی شمول الحدیث للاُمور العدمیة
بعدما أثبتنا : أنّ المرفوع فی الحدیث هو عموم الآثار ، فهل یختصّ بالاُمور الوجودیة ـ أی رفع آثار اُمور موجودة فی الخارج إذا انطبق علیها إحدی تلک العناوین ـ أو یعمّ ؟
مثلاً : لو نذر أن یشرب مـن ماء الفرات ، فاُکره علی الترک أو اضطـرّ إلیه أو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 42 نسی أن یشربـه فهل یجب علیه الکفّارة ـ بناءً علی عـدم اختصاصها بصورة التعمّد ـ أو لا ؟
فیظهر عن بعض أعاظم العصر قدس سره اختصاصه بالاُمور الوجودیة ؛ حیث قال : إنّ شأن الرفع تنزیل الموجود منزلة المعدوم ، لا تنزیل المعدوم منزلة الموجود ؛ لأنّ تنزیل المعدوم منزلة الموجود إنّما یکون وضعاً لا رفعاً ، والمفروض أنّ المکلّف قد ترک الفعل عن إکراه أو نسیان ، فلم یصدر منه أمر وجودی قابل للرفع .
ولا یمکن أن یکون عدم الشرب فی المثال مرفوعاً وجعله کالشرب ؛ حتّی یقال : إنّه لم یتحقّق مخالفة النذر ، فلا حنث ولا کفّارة .
والحاصل : أنّه فرق بین الوضع والرفع ؛ فإنّ الوضع یتوجّه إلی المعدوم فیجعله موجوداً ویلزمه ترتیب آثار الوجود ، والرفع بعکسه ، فالفعل الصادر من المکلّف عن نسیان أو إکراه یمکن ورود الرفع علیه ، وأمّا الفعل الذی لم یصدر من المکلّف عن نسیان أو إکراه فلا محلّ للرفع فیه ؛ لأنّ رفع المعدوم لا یمکن إلاّ بالوضع والجعل ، والحدیث حدیث رفع لا حدیث وضع ، انتهی .
وفیه : أنّ ترک الشرب بعد ما تعلّق علیه النذر وصار ذات أثر یکون له ثبوت فی عالم الاعتبار ؛ إذ ما لا ثبوت له ـ ولو بهذا النحو من الثبوت ـ لا یقع تحت دائرة الحکم ، ولا یصیر موضوعاً للوفاء والحنث .
کیف ، وقـد فرضنا أنّ الکفّارة قـد تترتّب علی ترک ذاک الترک ، وصار مـلاکاً للحنث ، وبعد هـذا الثبوت الاعتباری لا مانع مـن تعلّق الرفـع علیـه بما لـه مـن الآثار .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 43 وأمّا ما أفاده من أنّ الرفع لا یمکن إلاّ بالوضع غریب جدّاً ؛ فإنّ الرفع قد تعلّق بحسب الجدّ علی أحکام تلک العناوین وآثارها ، فرفع تلک الآثار ـ سواء کانت أثر الفعل أو الترک ـ لا یستلزم الوضع أصلاً .
علی أنّ التحقیق : أنّه لا مانع من تعلّق الرفع بالاُمور العدمیة ؛ إذ الرفع رفع ادّعائی لا حقیقی ، والمصحّح له لیس إلاّ آثار ذلک العدم وأحکامها ، کما أنّ المصحّح لرفع الاُمور الوجودیة هو آثارها وأحکامها .
أضف إلی ذلک : أنّ مصبّ الرفع وإن کان نفس الأشیاء لکن لا بما هی هی ، بل بمعرّفیة العناوین المذکورة فی الحدیث ، فکلّ أمر یتعلّق علیه الاضطرار أو یقع مورد النسیان والإکراه فهو مرفوع الأثر لأجل تلک العناوین ، من غیر فرق ؛ سواء کان المضطرّ إلیه أمراً وجودیاً أو عدمیاً .
وربّما یقال فی مقام جواب المستشکل : أنّ الرفع مطلقاً متعلّق بموضوعیة الموضوعات للأحکام ؛ فمعنی رفع «ما اضطرّوا إلیه» أنّه رفع موضوعیته للحکم ، وکذا فی جانب العدم والترک ، انتهی .
وفیه : أنّه لو رجع إلی ما قلناه فنِعْم الوفاق والاتّفاق ، وإن أراد ظاهره من تقدیر موضوعیة کلّ واحد لأحکامها فهو ضعیف جدّاً ؛ لأنّه یکون أسوأ حالاً من تقدیر الآثار ، بل لا یصیر الرفع ادّعائیاً ، مع أنّه قد اعترف القائل فی بعض کلماته : أنّ الرفع ادّعائی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 44