عدم جریان البراءة فی الأسباب الشرعیة
إذا عرفت ذلک : فالتحقیق عدم إمکان إجراء البراءة العقلیة فی الأسباب الشرعیة ؛ لتعلّق الأمر بالمفهوم المبیّن والشکّ فی سقوطه بالأقلّ ، فلا یجری البراءة العقلیة .
فإن قلت : قد تقدّم آنفاً أنّ المسبّب والسبب بمعنی مجعولیة سببیته مجعولان شرعاً ، ولا طریق إلی معرفة إحراز السبب سوی بیانه ونقله ، والمفروض أنّ ما وقع تحت دائرة البیان إنّما هو الأقلّ ، والمشکوک لایمکن العقاب علیه علی فرض دخالته ؛ لکون العقاب علیه عقاباً بلا بیان .
قلت : إنّ المکلّف وإن کان فی فُسحة من ناحیة السبب ؛ لجریان البراءة فی سببیة الجزء المشکوک ، لکنّه مأخوذ من ناحیة تعلّق الأمر الشرعی بالمفهوم المبیّن ـ أعنی المسبّب ـ فلا یصحّ رفع الید عن الحجّة إلاّ بحجّة اُخری . وحکم العقل بقبح العقاب بلا بیان فی ناحیة السبب لایکون حجّة علی المسبّب .
وأمّا البراءة الشرعیة : فغایة ما یمکن أن یقال : إنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب وعدمه ناشٍ من اعتبار أمر زائد فی السبب وعدمه ، وبما أنّ سببیة السبب مجعولة شرعاً فیرفع جزئیة المشکوک للسبب ، فیرتفع الشکّ فی ناحیة المسبّب ، فیحکم بتحقّقه ؛ لوجود الأقلّ وجداناً ورفع الزیادة بحدیث الرفع ، ویرفع الشکّ عن تحقّق السبب ، فیحکم بأنّه موجود . ولیست السببیة عقلیة حتّی یکون من الأصل المثبت .
وفیه : أنّ الشکّ فی تحقّق المسبّب لیس ناشئاً من دخالة الجزء المشکوک وعدمها ، بل من کون الأقلّ تمام المؤثّر وتمام السبب . ورفع جزئیته لایثبت کونه کذلک إلاّ علی القول بالأصل المثبت .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 332 والحاصل : أنّ المسبّب یترتّب حسب الجعل علی السبب الواقعی التامّ ، ولیس رفع الزیادة مثبتاً لذلک بالأصل حتّی یرتفع الشکّ من المسبّب .
ولیس عدم الزیادة وحصول الأقلّ سبباً بنحو الترکیب حتّی یحرز أحد الجزئین بالوجدان والآخر بالأصل ، ویترتّب علیه المسبّب ؛ ضرورة أنّ تمام السبب حینئذٍ هو الأقلّ ، والزیادة لاتکون دخیلة فی حصول المسبّب وجوداً وعدماً حتّی یؤخذ عدمها جزءً للسبب .
نعم ، لو دلّ الدلیل علی أنّه کلّما تحقّق الأقلّ ولم یتحقّق الزیادة وجد المسبّب کان للتوهّم مجال ، لکنّه خارج عن مبحث الأقلّ والأکثر .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 333