إشکال ودفع
وقد یقال : إذا تعارض الضرران من جانب المالک والجار فمقتضی القاعدة سقوطهما والرجوع إلی قاعدة السلطنة أو إلی الاُصول العقلیة والشرعیة ، ومثله ما لو کان المقام ممّا تعارض فیه الحرجان .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 553 وأمّا إذا کان أحدهما حرجیاً والآخر ضرریاً فیمکن القول بتعارضهما وتساقطهما ، والرجوع إلی ما سبق فی الصورتین السابقتین . اللهمّ إلاّ أن یقال بحکومة قاعدة لاحرج علی الاُخری .
فیختلف صور المسألة ؛ ففی تعارض الضررین والحرجین فالمرجع قاعدة السلطنة أو الاُصول الموجودة ، وفیما إذا کان أحدهما حرجیاً والآخر ضرریاً یقدّم ما فیه الحرج علی ما فیه الضرر ، لو قلنا بالحکومة ، وإلاّ فیرجع إلی قاعدة السلطنة أو الاُصول .
وقد یقال : إنّ منع المالک عن التصرّف فی ملکه حرج مطلقاً ؛ فیقدّم جانب المالک فی جمیع الصور ؛ إمّا لحکومته علی قاعدة لاضرر ، أو للتعارض والرجوع إلی قاعدة السلطنة أو الاُصول الموجودة .
وفی الدعویین ما لا یخفی :
أمّا الثانیة : فإنّ القول بأنّ منع المالک عن التصرّف فی ملکه حرج مطلقاً غیر صحیح ؛ فإنّ الحرج هو المشقّة والضیق والکلفة ، ومطلق المنع لایستلزم ذلک . نعم ربّما یستلزم ذلک .
وأمّا الاُولی وهو تعارض الضررین فتقریره بما یلی : إذا کان تصرّف المالک فی ملکه بحفر البئر ضرریاً بالنسبة إلی الغیر فجواز حفره مرتفع بحکم القاعدة ، وإذا کان رفع هذا الجواز ضرریاً بالنسبة إلیه فهذا الضرر الناشئ من رفع السلطنة ورفع الجواز منفی بحکم نفی الضرر ؛ فیتعارض دلیل الضرر فی مصداقین من نفسه ؛ فإنّ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 554 قوله صلی الله علیه و آله وسلم «لاضرر» بحکم القضیة الحقیقیة منحلّ إلی قضایا کثیرة ؛ وإن تولّد أحد الضررین من رفع الضرر فی ناحیة اُخری .
وفیه : أنّ ذلک بمنزلة إعدام الدلیل نفسه أو مصداقاً من مصادیقه ، وهو غیر معقول ، والدلیل الواحد لایمکن أن یتکفّل ما ذکر .
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لاضرر ولاضرار» وإن کان إنشاءً لنفی الأحکام الضرریة ـ علی مبانی القوم ، حسب القضیة الحقیقیة ـ غیر أنّ الدلیل الواحد لایمکن أن یتکفّل بجعل واحد ما ذکر ؛ بأن یکون معدماً لنفسه ، أو مصداقاً من مصادیقه الذی هو هو بعینه .
ولایقاس المقام بحکومة الأصل السببی علی المسبّبی ؛ بأن یقال : إنّ المقام من قبیل حکومة مصداق من الدلیل علی مصداق آخر ، وهو غیر إعدام الشیء نفسه ؛ لأنّه قیاس مع الفارق .
وجه الفرق : أنّ الأصل فی ناحیة السبب یرفع موضوع الأصل المسبّبی ـ أعنی الشکّ ـ تشریعاً علی مسلک القوم ، فلا یبقی بعد جریانه موضوع لقوله : «لاتنقض الیقین بالشکّ» فی ناحیة المسبّب حتّی یکون الدلیل معدماً لنفسه . فالحکم فی ناحیة المسبّب مرتفع بالذات ؛ لارتفاع موضوعه ؛ وهو الشکّ من أجل الأصل السببی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 555 مع أنّ فی کیفیة حکومة الأصل السببی علی المسبّبی کلاماً تعرّضنا له فی الاُصول ، وقرّرناها بما یدفع عنها الإشکال .
نعم ، لو لزم فی مورد نفی ـ لاتنقض ـ نفسه ؛ بأن یتکفّل إنشاء عدم نقض الیقین بالشکّ إعدام عدم النقض فهو أیضاً محال ، وما نحن فیه من هذا القبیل .
والتمسّک بذیل القضیة الحقیقیة ـ علی فرض تسلیمه ـ لایرفع الإشکال ؛ فإنّ إعدام الشیء نفسه باطل ، وحدیث الانحلال لایصحّح الأمر الباطل .
علی أنّ تفسیر الانحلال بما ذکر من إنشاء قضایا متکثّرة غیر تامّ عندنا ، وقد أوضحنا معنی الانحلال فی محلّه ، وقلنا : إنّه لیس فی البین إلاّ إنشاء واحد ، غیر أنّه حجّة علی الناس فی عامّة الموارد .
وربّما یقال فی تقریر تعارض الضررین : إنّ جواز التصرّف منفی بلا ضرر ، ومنع التصرّف الناشئ من لاضرر أیضاً منفی بلا ضرر ، فیتعارضان .
وفیه : أنّ شأن الحدیث هو رفع الحکم ـ أعنی جواز التصرّف ـ لا إثبات الحکم ـ أعنی المنع من التصرّف الذی هو حکم وجودی ـ ورفع الحکم لیس حکماً شرعیاً حتّی ینفی بلا ضرر .
ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر أجاب عن تعارض الضررین : بأنّ الحکم الناشئ من قِبل لاضرر لایمکن أن ینفی بلاضرر ؛ لأنّ المحکوم لابدّ أن یکون فی الرتبة المتقدّمة من الحاکم حتّی یکون شارحاً وناظراً إلیه ، والمفروض أنّ هذا الضرر
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 556 الحادث متأخّر عن لاضرر ، فکیف یکون حاکماً علی الأمر المتأخّر ؟ ! انتهی .
وفیه : أنّ ذلک مبنی علی ما اختاره فی باب الحکومة ، وسیوافیک فی محلّه أنّه لایشترط فی الحکومة التفسیر والشرح .
علی أنّ النظر إلی المتأخّر رتبة ممکن ، فإذا تولّد من إجراء القاعدة حکم ضرری فلا مانع من نفیه بنفس هذا الدلیل ، کما فی قوله : «صدّق العادل» فإنّ الحکم مجعول علی وزان القضایا الحقیقیة ، والشارع نفی ورفع کلّ حکم ضرری محقّق أو مقدّر وجوده فی ظرف تحقّقه .
وممّا ذکرنا یتّضح : حال تعارض الحرجین ؛ فإنّه کتعارض الضررین ، طابق النعل بالنعل .
وأمّا حدیث حکومة لاحرج علی لاضرر فممّا لا أصل له بناءً علی مسلک القوم ، أمّا إذا قلنا بأنّ دلیل رفع الحرج هو قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لاضرار» ـ علی ما عرفت منّا تحقیقه ـ وأنّه بمعنی الحرج والکلفة والمشقّة فواضح .
وأمّا إذا کان دلیله قوله تعالی : «جاهِدُوا فِی الله ِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباکُمْ وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِیکُمْ إِبْراهِیمَ هُوَ سَمّاکُمُ الْمُسْلِمِینَ مِنْ
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 557 قَبْلُ» ، فمثل ما تقدّم ؛ فإنّ لسان الدلیلین واحد ، وکلاهما إنشاء لنفی الأحکام الضرریة والحرجیة ، علی ما ذهب إلیه القوم فی معنی القاعدة . وعلیه : فحکومة أحدهما علی الآخر بعد اشتراکهما فی اللسان والمرمی بلا وجه .
ولو قیل : إنّ لسان لاضرر نفی تحقّقه ولسان لاحرج بمقتضی الآیة نفی الجعل ، وبما أنّ الجعل مقدّم علی التحقّق یکون نفیه حاکماً علی نفیه .
یقال : إنّ باب الحکومة لابدّ وأن یکون عقلائیاً ؛ بحیث إذا عرض الدلیلان علی العرف یقدّم أحدهما تحکیماً ، بلا نظر إلی النسبة بینهما ، وما ذکر لیس تقدیماً عقلائیاً عرفیاً ، کما لایخفی .
وبقی فی المقام أبحاث طفیفة وتنبیهات تعرّض لها الأعلام ، غیر أنّ سیّدنا الاُستاذ طوی عنها الکلام بعد کون مبناه فی الحدیث غیر مبنی القوم .
ولعلّه یظهر أنظاره ـ دام ظلّه ـ فیما بقی من المباحث من التدبّر فیما أفاد . وعلیه تعالی التوکّل فی المعاش والمعاد .
تمّت الرسـالـة بعونـه فی شهـر ذیقعـدة الحـرام مـن شهور سنـة 1375 ، وقـد أعـدنا النظـر وکـرّرنـا البصر مـرّة ثانیـة فی محروسة کرمان ، صانها الله عـن الحدثان ، وفرغنا عنـه فـی الثامـن عشر فـی شهر رمضـان مـن شهور عـام 1380 مـن الهجـرة النبویـة . حـرّره بأناملـه الـداثـرة مؤلّفـه : محمّـد جعفـر السبحانی التبریـزی ، عاملـه الله بلطفـه العمیم .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 558