شبهة عدم وجود هذا البناء فی زمن الأئمّة علیهم السلام
وربّما یورد علیه : بأنّ الاُمور العقلائیة إنّما یسمن ویغنی إذا کان بمرأی ومنظر من النبی أو الأئمّة من بعده حتّی یستکشف من سکوته رضاه ، ومن عدم
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 610 ردعه کونه مرضیاً عنده . وأمّا الاُمور العقلائیة المستحدثة التی لم یکن فی زمنهم علیهم السلام منها عین ولا أثر فلا یدلّ عدم ردعه علی رضائه .
وما نحن فیه من هذا القبیل ؛ فإنّ الأمر الدارج فی أزمنتهم إنّما هو الرجوع إلی نظراء عبدالله بن عبّاس ومعاذ ومحمّد بن مسلم وزرارة وابن أبی یعفور وأبان و . . . الذین أخذوا الأحکام عن مستقی الوحی وأئمّة الدین ، وعاشروهم مدّة طویلة ؛ حتّی صاروا بطانة علومهم ومخازن معارفهم ومعادن أسرارهم .
فنقلوا ما سمعوها بأسماعهم وأبصروها بأعینهم إلی الأجیال القادمة ، من دون اجتهاد ولا إعمال نظر ، فأرجعوا شیعتهم إلی تلک العلماء الذین هذه سیرتهم ، وتلک کیفیة أخذهم الأحکام عن أئمّتهم .
فکان رجوع الجاهل إلی العلماء فی ذلک الزمان من رجوع الجاهل إلی العالم بالعلم الوجدانی الحاصل لهم من مشافهة الأئمّة ، من دون اجتهاد ولا إعمال نظر ، وأمّا رجوع الجاهل فی أعصارنا فإنّما هو إلی العلماء الذین عرفوا الأحکام من طرق الأمارات والظنون الاجتهادیة فلیس هذا من ذاک .
وإن شئت قلت : إنّ الفقه فی هذه الأعصار أخذ لنفسه صورة فنّیة وجاء علی طراز سائر العلوم العقلیة الفکریة ، بعد ما کان فی أعصارهم من العلوم الساذجة المبنیة علی سماع الأحکام من الأئمّة وبثّها بین الناس ، من دون أن یجتهد فی تشخیص حکم الله أو یرجّح دلیلاً علی الآخر ، أو یقیّد ویخصّص واحداً بالآخر ، إلی غیر ذلک من الاُصول الدارجة فی زماننا .
فلم یکن الرجوع إلی مثل علمائنا فی أعصارهم مرسوماً حتّی یستکشف من عدم ردعه رضاه ، وإنّما حدث ذلک بعد ممرّ الزمان ومضی الدهور .
ولم یرد دلیل علی مضیّ کلّ المرتکزات إلاّ ما خرج بالدلیل حتّی نأخذ به ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 611 ولیس لبناء العقلاء فی ذلک الباب إطلاق أو عموم حتّی نتمسّک به ، بل لابدّ أن یتّصل کلّ فرد من هذه الاُمور العقلائیة إلی زمانهم علیهم السلام ، ولم یکن الرجوع إلی مثل تلک العلماء والاجتهادات والترجیحات موجوداً فی أعصارهم حتّی نستدلّ بعدم ردعهم علی إمضائهم .
ورجوع الجاهل فی أیّامنا إلی العلماء وإن کان ارتکازیاً لهم إلاّ أنّه لایفید کونه ارتکازیاً ما لم یتّصل بزمانهم .
ومن ذلک یظهر : أنّه لایجوز الاستدلال علی جواز التقلید فی هذه الأعصار بالروایات التی أرجع الإمام فیها شیعته إلی نُظراء من سبق منّا ذکرهم .
بتقریب : أنّ الجامع بینهم إنّما هو علمهم بالأحکام ؛ للفرق الواضح بینهم ؛ فإنّهم کانوا یعرفون الصحیح من الزائف ، والصادق عن الکاذب ، والصادر لأجل الحکم الواقعی عن الصادر تقیّة ؛ لأجل الممارسة والمعاشرة طیلة سنین ، وأمّا فقهاء الأعصار فهم عاملون بما هو الوظیفة الفعلیة ؛ سواء کانت مطابقة للواقع أو خالفه ، إلی غیر ذلک من الفروق .
قلت : إنّ ذلک أشبه شیء بالشبهة ، ویمکن الجواب عنه بوجهین :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 612