تذییل القاعدة بکلمتی «فی الإسلام» أو «علی مؤمن»
أمّا الأوّل : فلم نجده فی کتبنا إلاّ فی مرسلة الصدوق والعلاّمة ، ولعلّه اتّبع فی نقله لروایة الصدوق ، وهی ما نقلناها سابقاً عنه من أنّه قال النبی : «الإسلام یزید ولاینقص» قال : «وقال لاضرر ولا ضرار فی الإسلام ، فالإسلام یزید المسلم خیراً ولا یزیده شرّاً» .
ویمکن أن یقال : إنّ الزیادة من ناحیة النسّاخ لامن الصدوق ، وهو رحمه الله نقله عاریاً من هذه الکلمة ، غیر أنّ الباعث لاشتباه الناسخ هو کلمة «فالإسلام» فی قوله : «فالإسلام یزید المسلم خیراً» ، وهو متّصل بقوله : «لاضرر ولاضرار» ، فوقع الکاتب فی الاشتباه وزاغ بصره ، فکتب تلک الکلمة «فالإسلام» مرّتین والتکرار فی الکتابة ؛ خصوصاً بالنسبة إلی کلمة واحدة ممّا یتّفق للکاتب المستنسخ .
ثمّ جاء الآخرون ، فرأوا الزیادة والتکرار وصاروا بصدد إصلاحه ، بزعم أنّ الاُولی تصحیف والصحیح «فی الإسلام» وأنّه جزء من الجملة ، فالمتقدّمة ـ أعنی قوله «لاضرر ولاضرار» ـ فجاءت القاعدة مذیلة من ناحیة الناسخ والقارئ لا من المحدّث ، ثمّ تتابعت النسخ علیه .
نعم ، أورد الطریحی حدیث الشفعة مذیّلاً بهذه الکلمة ، وهو اشتباه قطعاً ؛
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 483 لأنّ الحدیث مروی فی «الکافی» ـ الذی أخذ هو منه ـ بلا هذه الزیادة ، ولعلّ قلمه الشریف سبق إلی کتابة هذه الکلمة لما ارتکزت فی ذهنه .
وبذلک یمکن توجیه الزیادة الواقعة فی کلام ابن الأثیر؛ فإنّه نقل الروایة مذیّلاً بهذه الکلمة مع أنّ الروایة فی کتب العامّة عاریة من هذه الکلمة .
فقد نقل العلاّمة شیخ الشریعة : إنّه تتبّع صحاحهم ومسانیدهم ومعاجمهم وغیرها فحصاً أکیداً ، فلم یجد روایته فی طرقهم إلاّ عن ابن عبّاس وعُبادة بن الصامت ، وکلاهما رویا من غیر هذه الزیادة .
ثمّ قال : ولا أدری من أین جاء ابن الأثیر فی «النهایة» بهذه الزیادة ؟
وعلی أیّ حال : فالمرسلتان لم یثبت حجّیتهما حتّی تتقدّم أصالة عدم الزیادة علی النقیصة فی مقام الدوران .
أمّا الثانی ـ أعنی کلمة «علی مؤمن» ـ فقد وردت فی مرسلة أبی عبدالله عن أبیه عن بعض أصحابنا عن عبدالله بن مسکان عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام .
وقد أوضحنا علیک فیما تقدّم : أنّ هذه المرسلة اشتملت علی أمرین ، لم تشتمل علیهما موثّقة زرارة ، ولا روایة الحذّاء ـ أعنی قوله : «علی مؤمن» وقوله :
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 484 «فانطلق فاغرسها حیث شئت» ـ ولکن شارکت الروایتین فی عامّة المطالب ، وهذا ممّا یورث الوثوق بصدقها وصدورها .
وبما أنّ الاختلاف صوری لا جوهری ، والباعث هو نقل الحدیث بالمعنی والاختلاف فی الأغراض فربّما یتعلّق الغرض بنقل مفاد عامّة الخصوصیات ، وربّما یتعلّق بنقل ما هو المهمّ منها .
وعلیه فیمکن أن یقال : إنّه قد سمع زرارة ، وأبو عبیدة الحذّاء واحتملا الروایة من أبی جعفر علیه السلام بعامّة خصوصیاتها ، ثمّ جاء الاختلاف عند نقلها بالمعنی منهما أو من ناحیة غیرهما ممّن رووا عنهما .
وهذا الاختلاف الغیر الجوهری موجود فی نفس الروایتین أیضاً ؛ فقد اشتملت الموثّقة علی قوله : «لاضرر ولاضرار» دون روایة الحذّاء ، کما اشتملت الثانیة علی قوله : «أنت رجل مضارّ» دون الموثّقة . والسبب هو النقل بالمعنی واختلاف المرمی .
فظهر : أنّه لامانع من القول باشتمال الحدیث علی کلمة «علی مؤمن» ؛ لما عرفت من القرائن علی صدور المرسلة ، وصدقها علی أنّ الأصل المعتمد علیها هو تقدیم أصالة عدم الزیادة علی أصالة عدم النقیصة عند العقلاء .
فإن قلت : إنّ تقدیم أصالة عدم الزیادة علی الاُخری لأجل أبعدیة إحدی الغفلتین عن الاُخری ؛ فإنّ الغفلة بالنسبة إلی النقیصة لیس بغریب ونادر ، وأمّا بالنسبة إلی الزیادة فلیس بهذه المثابة ، إلاّ أنّه فیما إذا لم یثبت النقیصة من جانبین والزیادة من جانب واحد ، کما فی المقام ؛ فإنّ الزیادة إنّما أتی بها المرسلة ، والموثّقة وروایة الحذّاء عاریتان منها وکذا سائر الروایات ، ومن البعید غفلة المتعدّد وتوجّه الواحد .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 485 أضف إلی ذلک : أنّ هذه الزیادة من الکلمات المرتکزة المأنوسة ، فیحتمل أن یکون منشأها نفس الراوی ؛ لمناسبة بین الحکم وموضوعه ، وأنّ المؤمن الذی لابدّ أن تحفّه العنایات الربّانیة ، وینفی عنه الضرر .
قلت : تقدیم أحد الأصلین علی الآخر لیس لأجل دوران الأمر بین الغفلتین وأبعدیة إحداهما بالنسبة إلی الاُخری ـ کما ذکرفی الإشکال ـ حتّی یقال : بأنّ هذا فیما إذا لم یتوافق الروات علی النقیصة ، وتفرّد واحد منهم علی الزیادة .
بل لأنّ الزیادة لاتقع إلاّ غفلة أو کذباً وافتراءً ، وأمّا النقیصة فهی مشارکة معها فی ذلک ، وتختصّ بأنّها ربّما تقع لداعی الاختصار أو توهّم أنّ وجود الکلمة وعدمها سواء فی إفادة المقصود ، وأنّ الکلمة ممّا لادخالة لها فی الغرض ، أو لعدم کونه بصدد بیان عامّة الخصوصیات .
فحینئذٍ : یرجّح الأصل فی جانب الزیادة علی الآخر ؛ وإن تفرّد ناقلها وتوافق الرواة فی جانب النقیصة . هذا أوّلاً .
وثانیاً : أنّ ما ذکرت إنّما یکون مرجّحـاً إذا کان الراویان ـ مثلاً ـ متوافقین فی سائر الجهات ، وأمّا مع اختلافهما فی بعض الجهات ـ ولو مع اتّفاقهما فی جهة واحدة ـ فلا ، وقـد عرفت الاختلاف بین الموثّقة وروایة الحذّاء ، وأنّ الاُولی مشتملة علی قوله : «لا ضرر ولاضرار» متعقّباً بالأمر بالقلع ، دون الثانیة ؛ وهی تتضمّن قولـه : «ما أراک یا سمرة إلاّ مُضارّاً» ، مقـدّماً علی الأمـر بالقلع ، والمرسلـة مشتملة علی الجمیع ، وهذه قرینة علی کونها بصدد نقل عامّة الخصوصیات دون الروایتین .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 486 ویؤیّد ذلک : ما تشتمل المرسلة علیه من التفصیل والإسهاب فیما دار بین الرجل والأنصاری من الکلام ، وما تردّدت بینهما وبین رسول الله من المقاولة .
وما تلوناه یؤیّد کون المرسلة بصدد نقل تمام القضیة دونهما ، ویؤکّد اشتمال الروایة فی الأصل علی لفظة «علی مؤمن» ، ویوجب تقدّم أصالة عدم الزیادة علی الاُخری .
وثالثاً : أنّ ما ذکر من أنّه یمکن أن یکون منشأ الزیادة نفس الراوی لمناسبة بین الحکم والقید ضعیف جدّاً ؛ لأنّه إن اُرید منه : أنّ الراوی قد أضاف القید عمداً ؛ لمناسبة أدرکها بین القید والحکم فهو أمر باطل ؛ لأنّه یمسّ بعدالته وکرامته ، ولم یبق الطمأنینة علی أمثال هذه القیود .
وإن اُرید : أنّ لسان الراوی أوقلمه سبق إلی الزیادة لأجل المناسبة بین المزید والمزید فیه ففیه : أنّه فرع أن یکون الفرع من الاُمور المرتکزة التی لاینفکّ تصوّر المزید فیه عن تصوّر المزید ، ویکون کاللازم البیّن ؛ حتّی یکون ملاکاً لسبق اللسان أو القلم ، والمورد لیس من هذا القبیل جدّاً ؛ ضرورة أنّه لاتسبق علی الذهن کلمة «علی مؤمن» عند تصوّر «لاضرر ولاضرار» حتّی یجری علی طبقه اللسان أو القلم .
وبالجملة : لو قلنا بحجّیة المرسلة لما عرفت من قرائن الصدق والصدور أمکن إثبات الزیادة بها ، ولا یضرّ عدم ورودها فی الموثّقة وقرینها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 487