التنبیه الأوّل : فی وجوب الاحتیاط عند الجهل بالموضوع
لا إشکال حسب القواعد العقلیة فی وجوب الاحتیاط عند الجهل بالموضوع ، من غیر فرق بین الشرائط والموانع ، فیجب الصلاة إلی أربعة جهات ، أو فی ثوبین یعلم بطهارة أحدهما ، أو بخلوّه ممّا لا یؤکل لحمه ، ولا وجه لسقوط الشرائط والموانع بالإجمال .
فما حکی عن المحقّق القمی من التفصیل بین ما یستفاد من قوله علیه السلام : «لاتصلّ فیما لا یؤکل لحمه» فذهب إلی السقوط وعدم وجوب الاحتیاط ، وما یستفاد من قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» فاختار وجـوب الاحتیاط لعلّـه مبنی علی ما هو المعروف منه مـن عدم تنجیز العلم الإجمالی مطلقاً ، وأنّـه کالشبهة البدویة .
وحینئذٍ : لابدّ من الرجوع إلی الاُصول ، وبما أنّ المستفاد من الأوّل هو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 279 المانعیة فیرجع فیها إلی البراءة ؛ لانحلال الحکم فیه حسب أفراد المانع ومصادیقه ، فیؤخذ بالمعلوم منه ، ویرجع فی المشکوک فیه إلی البراءة ؛ لکون الشکّ فی حکم مستقلّ .
وأمّا المستفاد من الثانی وأضرابه هو الشرطیة ، وهو ممّا یجب إحرازه . وطریق إحرازه هو تکرار الصلاة علی وجه یحصل الیقین بالبراءة .
وأمّا ما أفاده بعض الأعاظم : من أنّ المحقّق القمی فصّل بین الشرائط ـ لا بین الشرط والمانع ـ المستفادة من قوله علیه السلام : «لا تصلّ فیما لا یؤکل لحمه» والمستفادة من قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» ، ثمّ قال : ولم یحضرنی کتب المحقّق حتّی اُراجع کلامه ، وکأنّه قاس باب العلم والجهل بالموضوع بباب القدرة والعجز .
فغیر صحیح احتمالاً وإشکالاً :
أمّا الأوّل : فلأنّ القیاس المذکور لا یصحّح التفصیل المحکی عنه ؛ ضرورة أنّ العجز عن الشرط والمانع سواسیة ، فلو کان مفاد الدلیل هو الشرطیة والمانعیة المطلقتین فلازمه سقوط الأمر ؛ لعدم التمکّن من الإتیان بالمکلّف به ، وإن لم یکن کذلک فلازمه سقوط الشرط والمانع مطلقاً عن الشرطیة والمانعیة ، من غیر فرق .
وأمّا إشکالاً : فلأنّ غرضه الفرق بین العلم والقدرة بأنّ العلم من شرائط التنجیز والقدرة من شرائط ثبوت التکلیف وفعلیته ، وفیه ما مرّ من أنّ العلم والقدرة سواسیة ؛ فإنّ القدرة الشخصیة من شرائط التنجیز ؛ لما مرّ من أنّ الأحکام الشرعیة أحکام قانونیة . ولما ذکرنا یجب الاحتیاط عند الشکّ فی القدرة ، فلو کانت من
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 280 شرائط ثبوت التکلیف لکانت البراءة محکّمة عند الشکّ فیها .
أضف إلی ذلک : أنّ من البعید أن یذهب المحقّق إلی أنّ المستفاد من قوله علیه السلام : «لا تصلّ فیما لا یؤکل لحمه» هو الشرطیة ؛ فإنّ جمهور الأصحاب ـ إلاّ ما شذّ ـ قالوا بالمانعیة ، فمن البعید أن یکون ذلک مختار المحقّق القمی قدس سره .
وبذلک یظهر الخلل فی حکایة مقالة المحقّق ، کما لا یخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 281