القول فی نسیان الأسباب فی المعاملات
إنّ ما ذکرنا کلّه فی ناحیة الجزء والشرط جارٍ فی السبب حرفاً بحرف .
غیر أنّ بعض أعاظم العصر قد أفاد فی المقام : أنّ وقوع النسیان والإکراه والاضطرار فی ناحیتها لا یقتضی تأثیرها فی المسبّب ولا تندرج فی حدیث الرفع ؛ لما تقدّم فی باب الأجزاء والشرائط من أنّ حدیث الرفع لا یتکفّل تنزیل الفاقد منزلة الواجد . فلو اضطرّ إلی إیقاع العقد بالفارسیة أو اُکره علیه أو نسی العربیة کان العقد باطلاً ـ بناءً علی اشتراط العربیة ـ فإنّ رفع العقد الفارسی لا یقتضی وقوع العقد العربی ، ولیس للعقد الفارسی أثر یصحّ رفعه بلحاظ رفع أثره ، وشرطیة العربیة لیست منسیة حتّی یکون الرفع بلحاظ رفع الشرطیة ، انتهی .
قلت : التحقیق هو التفصیل : فإن تعلّق النسیان بأصل السبب أو بشرط من شرائطه العقلائیة الذی به قوام العقد عرفاً ـ کإرادة تحقّق معناه ـ فلا ریب فی بطلان المعاملة ؛ إذ لیس هنا عقد عرفی حتّی یتّصف بالصحّة ظاهراً .
وإن تعلّق بشرط مـن شرائط الشرعیـة ، ککونه عربیاً ، أو تقدّم الإیجاب علی القبول ونحـو ذلک ؛ فلا إشکال فی تصحیح العقد المذکـور بحـدیث الـرفع ؛
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 53 فإنّ الموضوع ـ أعنی نفس العقد ـ محقّق قطعاً فی نظر العرف ، غیر أنّه فاقـد للشرط الشرعی .
فلو قلنا بحکومة الحدیث علی الشرائط ؛ بمعنی رفع شرطیة العربیة أو تقدّمه علی القبول فی هذه الحالة یصیر العقد الصادر من العاقد عقداً مؤثّراً فی نظر الشارع أیضاً . والنسیان وإن تعلّق بإیجاد الشرط لا بشرطیته لکن لا قصور فی شمول الحدیث لذلک ؛ لأنّ معنی رفع الشرط المنسی رفع شرطیته فی هذا الحال ، والاکتفاء بالمجرّد منه .
وأمّا ما أفاده من أنّ رفع العقد الفارسی لا یقتضی وقوع العقد العربی فواضح الإشکال ؛ لأنّ النسیان لم یتعلّق بالفارسی من العقد حتّی یترتّب علیه ما ذکر ، بل إنّما تعلّق بالشرط ـ أعنی العربیة ـ فرفعه رفع لشرطیته فی المقام ، ورفع الشرطیة عین القول بکون ما صدر سبباً تامّاً .
وتوهّم : أنّ القول بصحّة العقد المجرّد عن الشرط خلاف المنّة ، بل فیه تکلیف المکلّف بوجوب الوفاء بالعقد ، ولا یعدّ مثل ذلک امتناناً أصلاً ، مدفوع بأنّ إنفاذ المعاملة وتصحیحها حسب ما تراضیا علیه امتنان جدّاً ؛ إذ لیس وجوب الوفاء أمراً علی خلاف رضائه ، بل هو ممّا أقدم المتعاقدان علیه بطیب نفسهما .
فإنفاذ ما صدر عن المکلّف بطیب نفسه إحسان له ، فأیّ منّة أعظم من تصحیح النکاح الذی مضی منه عشرون سنة ، وقد رزق الوالدان طیلة هذه المدّة أولاداً ؟ ! فإنّ الحکم ببطلان ما عقده بالفارسیة مع کون الحال کذلک من الاُمور الموحشة الغریبة التی یندهش منه المکلّف ، وهذا بخلاف القول بالصحّة .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 54