حول کلام بعض الأعاظم فیتوضیح مفاد القاعدة
ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر قد أطال الکلام فی توضیح مفاد القاعدة وأتی بمقدّماتٍ غیر واضحة ، وزعم أنّ النفی محمول علی الحقیقة بلا ادّعاء ولا مجاز ، وأنّ ما أوضحه عین ما رامه الشیخ الأعظم .
فبما أنّ التعرّض لعامّة ما أفاد یورث الملال فی القرّاء الکرام فلأجله ننقل محصّل مرامه ، ومن أراد الوقوف علی توضیحه فعلیه بما حرّره مقرّر بحثه رحمه الله .
فقال : إنّ حال «لاضرر ولاضرار» بعینه حال «رفع عن اُمّتی تسعة» فکما أنّ الرفع فی هذا الحدیث تعلّق بما یقبل الرفع بنفسه وما لا یقبله إلاّ بأثره ، فکذلک یمکن تعلّق نفی الضرر بکلتا الطائفتین ، من دون تجوّز أو ادّعاء ونحوهما من العنایات ؛ لأنّه لیس قوله صلی الله علیه و آله وسلم «رفع» أو «لاضرر» إخباراً حتّی یلزم تجوّز أو إضمار ؛ لئلاّ یلزم الکذب .
فإذا لم یکن لا ضرر إلاّ إنشاءً ونفیاً للضرر فی عالم التشریع فیختلف نتیجته باختلاف المنفی ، کاختلاف المرفوع .
إلی أن قال : الأحکام الشرعیة من الاُمور الاعتباریة النفس الأمریة ، ووجودها التکوینی عین تشریعها ؛ فإذا کانت کذلک فإثباتها أو نفیها راجعة إلی إفاضتها حقیقتها وإیجاد هویتها أو إعدامها عن قابلیة التحقّق . فعلی هذا : یکون نفیها من السلب البسیط . وقوله صلی الله علیه و آله وسلم «لاضرر» من هذا القبیل .
وأمّا متعلّقات التکالیف فحیث إنّ قابلیتها للجعل ـ اختراعاً أو إمضاءً ـ عبارة عن ترکیب أنفسها أو محصّلاتها دون إفاضة هویاتها وإیجاد حقائقها فلا محیص من
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 506 أن یکون النفی من السلب الترکیبی ، ویکون المجعول نفس النفی دون المنفی .
إلی أن قال : ولا تصل النوبة فیما إذا دار الأمر بین الحمل علی نفی الأحکام أو نفی الموضوعات إلی الثانی إذا کان الأوّل ممکناً .
إلی أن أفاد : أنّ المنفی هو الحکم الضرری ، والضرر عنوان ثانوی للحکم ، ونفی العنوان الثانوی وإرادة العنوان الأوّلی لیس من باب المجاز ، وإنّما یستلزمه لو کان من قبیل المعدّ للضرر أو إذا کان سبباً له وکانا وجودین متعلّقین ؛ أحدهما مسبّب عن الآخر ، وأمّا مثل القتل أو الإیلام المترتّب علی الضرب فإطلاق أحدهما علی الآخر شائع متعارف .
وبالجملة : نفس ورود القضیة فی مقام التشریع وإنشاء نفی الضرر حقیقة یقتضی أن یکون المنفی هو الحکم الضرری ، لا أنّه استعمل الضرر واُرید منه الحکم الذی هو سببه ، انتهی ملخّصاً جدّاً .
وفیما أفاده غرائب نشیر إلی مهمّاتها :
منها : أنّ البحث فی قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لاضرر ولاضرار» ، ومن الواضحات أنّ الأحکام اُمور ضرریة لانفس الضرر ، وأنّ الحکم له نحو مبدأیة للضرر ، کما سیوافیک بیانه . وعلیه : فإطلاق لفظ موضـوع لمعنی نعبّر عنـه بالضرر وإرادة أحکام هی اُمور ضرریة ، ویتّصف بوجه بالضرر ، لایکون علی سبیل الحقیقة جـدّاً ؛ وإن بالغ القائل فی إثباتـه ما بالغ ؛ فإنّ الضرر شـیء والحکم شیء آخـر . وما أفاد من أنّ الأحکام تشریعها عیـن تکوینها ، ونفیها بسیطاً عیـن إعدامها لایثبت ما رامه ، بل لاربط له .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 507 ومنها : أنّ ما أفاده من أنّ إطلاق الضرب وإرادة القتل إطلاق شائع ، وکذلک العکس ، لو سلّم لکن الشیوع غیر مسألة الحقیقة ، والاستعمال أعمّ من الحقیقة . مع أن التأمّل والتردّد فی شیوعه غیر بعید .
نعم ، إطلاق القاتل علی الضارب المنتهی ضربه إلی القتل شائع ، لا إطلاق القتل علی الضرب ، وبینهما فرق .
ومنها : أنّ الحکم لیس سبباً للضرر ، وإنّما السبب له هو نفس العمل الخارجی .
وتوهّم : أنّ السبب وإن کان نفس الوضوء الضرری إلاّ أنّ المکلّف منبعث من بعثه وإیجابه ، فکأنّه هو السبب الوحید لورود الضرر علیه ، مدفوع بما أوضحناه غیر مرّة سابقاً ؛ من أنّ الانبعاث التکوینی مستند إلی المبادئ الموجودة فی نفس المکلّف علی اختلافها ـ من الطمع فی الجنّة والخوف من النار أو علمه بکمال المحبوب وأنّه أهل للعبادة إلی غیر ذلک ـ وعلیه فالأمر المتعلّق بالموضوع یکون دخیلاً فی انبعاث العبد بنحو من الدخالة ، لامن باب السببیة والمسبّبیة ، بل بما أنّه محقّق موضوع الطاعة .
فلا یمکن أن یقال : إنّ الحکم بالنسبة إلی الضرر من العلل التولیدیة ، کما فی حرکة الید وحرکة المفتاح والقتل والإیلام ، بل الأحکام لها وجودات اعتباریة مستقلّة ؛ فإذا وقف المکلّف علیها فقد وقف علی موضوع الطاعة . فالمبادئ الموجودة فی نفسه یحرّکه نحوه ، فیأتی به ویترتّب علیه الضرر أحیاناً .
وما هذا حاله لایمکن أن یقال : إنّ إطلاق اللفظ الموضوع لأحدهما علی الآخر حقیقة .
وما ذکره من أنّ ورود القضیة فی مقام التشریع قرینة علی أنّ المنفی هو
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 508 الحکم الضرری علی وجه الحقیقة ضعیف جدّاً ؛ إذ ما ذکره قرینة علی کون المراد من الضرر هو الحکم الضرری لا أنّه موجب لکون الجری علی وجه الحقیقة .
ومنها : أنّ ما ذکره من أنّ حدیث الرفع أو قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لاضرر . . . » لیس إخباراً . . . إلی آخر ما أفاده ، ضعیف غایته ؛ فإنّ هیئة الجملة ـ المصدّر بلا النافیة للجنس ـ موضوعة للحکایة عن الواقع ونفی ما یلیه ـ نفیاً إخباریاً ـ کما فی قوله : «لا رجل فی الدار» ونظائره . فإطلاق هذه الهیئة الموضوعة للحکایة وإرادة إنشاء النفی مجاز قطعاً ، بل لافرق بینه وبین سائر الموارد .
ویلیه فی الضعف قوله الآخر : إنّ الإخبار والإنشاء من المدالیل السیاقیة لا ممّا وضع له اللفظ ؛ لما عرفت من أنّ هذه الهیئة موضوعة للحکایة عن الواقع ؛ حکایةً تصدیقیة بحکم قضاء العرف والتبادر .
وعلیه : فلو قلنا : إنّ الإنشاء وقرینه من المدالیل السیاقیة فإمّا أن نقول بأنّ الهیئة غیر موضوعة لشیء أصلاً فیکون مهملة ، فهو کما تری ، وإمّا أن نقول بکونها موضوعة لأمر آخر غیر الإنشاء والإخبار ، بل مباین لهما فهو أسوأ حالاً من مقدّمه ، أو نقول بأنّه أمر جامع بینهما فهو أضعف ؛ لعدم الجامع بین الإخبار والإنشاء ، بل أوضحنا الحال فی الجزء الأوّل : أنّه لا جامع بین المعانی الحرفیة ، إلاّ الجامع الاسمی ، فراجع .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 509