حول ما بقی من الروایات
ودونک بعض ما یمکن الاستدلال به :
1 ـ صحیحة القدّاح : «إنّ العلماء ورثة الأنبیاء ، إنّ الأنبیاء لم یورّثوا دیناراً ولا درهماً ، ولکن ورّثوا العلم ؛ فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» .
2 ـ ما رواه الکلینی بسند ضعیف عن البختری قال : «إنّ العلماء ورثة الأنبیاء ، وذلک أنّ الأنبیاء لم یورثوا درهماً ولا دیناراً ، وإنّما أورثوا أحادیث من أحادیثهم ، فمن أخذ بشیء منها فقد أخذ حظّاً وافراً» .
تقریب الـدلالـة : أنّ مقتضی حذف المتعلّق فی قولـه : «العلماء ورثـة الأنبیاء» کونهم وارثین عنهم فی عامّـة شـؤونهم ـ ومنها الحکومـة والقضاء ـ إلاّ مـا دلّ الـدلیل علی کونه مـن خصائصهم علیهم السلام ، فلا یصحّ هـذا الإخبار علی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 587 النحـو المفید للعموم إلاّ إذا جعل لهم الولایة والقضاء قبل هذا الإخبار .
لایقال : إنّ تذییل الروایتین بقوله : «ولکن ورّثوا العلم» ، وقوله : «إنّما أورثوا أحادیث من أحادیثهم» قرینة علی أنّ المراد من التوارث هو التوارث فی العلم والحدیث لا فی کلّ الاُمور ، فلا ینعقد الإطلاق للصدر مع الاحتفاف بما یصلح للقرینیة .
لأنّا نقول : إنّما یصلح ذاک لصرف الإطلاق لو کان الحصر حقیقیاً لا إضافیاً ، ولیس کذلک ؛ فإنّ الحصر فی الجملتین إضافی فی مقابل الدرهم والدینار ، کما هو لائح منهما عند الإمعان . علی أنّه لایصحّ الحمل علی الحصر الحقیقی ؛ لأنّهم علیهم السلام لم یورّثوا العلم والحدیث فقط ، بل أورثوا اُموراً غیرهما ؛ من الزهد والتقوی ، کما أورثوا الولایة والقضاء .
والأولی فی دفعه أن یقال : إنّ قوله «العلماء ورثة الأنبیاء» جملة خبریة بحتة ، ویصحّ صدقه إذا کان العلماء ورثة لهم فی العلم والحدیث . نعم لو کان بصدد الإنشاء والجعل أمکن دعوی إطلاقه ، وأنّ حذف متعلّقه مفید لعمومیته ، علی إشکال فیه أیضاً ، کما لایخفی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 588 هذا ، وقد ادّعی النراقی تواتر مضمونهما ، ونحن لم نقف علی غیر ما ذکرنا .
3 ـ مشهورة أبی خدیجة قال : بعثنی أبو عبدالله علیه السلام إلی أصحابنا ، فقال : «قل لهم : إیّاکم إذا وقعت بینکم خصومة أو تداری فی شیء من الأخذ والعطاء أن تحاکموا إلی أحد من هؤلاء الفسّاق . اجعلوا بینکم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ؛ فإنّی قد جعلته علیکم قاضیاً ، وإیّاکم أن یخاصم بعضکم بعضاً إلی السلطان الجائر» .
تقریبه علی حـذو ما عرفته فی المقبولة ؛ وإن کانت المقبولـة أوضح دلالـةً .
ولا یبعد دلالة المشهورة أیضاً علی جعل منصبی القضاء والحکومة للفقیه العارف بالحلال والحـرام : أمّا منصب القضاء فواضح ، وأمّـا منصب الحکومـة فلإطلاق صـدرها ؛ أعنی وقوع الخصومـة فی شـیء ، مـن الأخـذ والعطاء ؛ سواء
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 589 کانت راجعة إلی الولاة أو القضاة .
ویؤکّد ما ذکرنا : ما فی ذیلها من قوله «وإیّاکم أن یخاصم بعضکم بعضاً إلی السلطان الجائر» ؛ فإنّ ما کان یتصدّاه السلطان فی تلک الأعصار غیر ما کان یتصدّاه القضاة منهم ، بل کان لکلٍّ شأن .
4 ـ صحیحة أبی خدیجة قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام : «إیّاکم أن یحاکم بعضکم بعضاً إلی أهل الجور ، ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئاً من قضایانا ، فاجعلوه بینکم ؛ فإنّی قد جعلته قاضیاً ، فتحاکموا إلیه» .
وهو یدلّ علی ثبوت منصب الولایة للفقیه کالقضاوة ؛ فإنّ المراد من أهل الجور هم الولاة والحکّام ، وأمّا القاضی فهو حاکم بالجور ، کما لایخفی .
وهذه عمدة ما یمکن أن یستدلّ به علی ثبوت المنصبین للفقیه فی زمن الغیبة . مضافاً إلی الضرورة والإجماع علی ثبوت القضاء للفقیه فیها ، وقد عرفت منّا دلالة الأدلّة علی ثبوت الحکومة والولایة له فیها فی الجملة . وأمّا حدودها وقیودها ومقدار ولایته ونفوذ أمره فموکول إلی محلّه .
ثمّ إنّه ربّما یستدلّ ببعض الـروایات القاصرة سنداً ودلالـةً ، لا بأس بالإشارة إلی بعضها .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 590 منها : التوقیع الرفیع : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة أحادیثنا ؛ فإنّهم حجّتی علیکم وأنا حجّة الله علیهم» .
وفیه : أنّه قاصر السند .
ومنها : روایة «تحف العقول» : «مجاری الاُمور والأحکام علی أیدی العلماء بالله ، الاُمناء علی حلاله وحرامه» .
وفیه : أنّ التدبّر فی الروایة ـ صدرها وذیلها ـ یقضی بورودها فی حقّ الأئمّة . مضافاً إلی ضعف السند .
ومنها : ما رواه فی «الفقه الرضوی» من تنزیل الفقهاء منزلة أنبیاء بنی إسرائیل .
وفیه : أنّه ضعیف السند .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 591