الأمر الأوّل : فی بیان حالات المکلّف وذکر مجاری الاُصول
قد اختلفت کلمات الأعاظم فی بیان حالات المکلّف وذکر مجاری الاُصول ، وکلّها لا یخلو عن النقض والإبرام .
فإنّ ما أفاده شیخنا العلاّمة وإن کان أحسن واتقن ؛ فقال : إنّ المکلّف إذا التفت إلی حکم : فإمّا أن یکون قاطعاً به أو لا ، وعلی الثانی : فإمّا أن یکون له طریق منصوب من قبل الشارع أو لا ، وعلی الثانی : إمّا أن یکون له حالة سابقة ملحوظة أو لا، وعلی الثانی : إمّا أن یکون الشکّ فی حقیقة التکلیف أو فی متعلّقه ، وعلی الثانی : إمّا أن یتمکّن من الاحتیاط أو لا ، انتهی .
لکن یرد علیه مع ذلک : أنّه لو کان المراد من القطع بالحکم هو القطع التفصیلی به ففیه ـ مضافاً إلی أنّه لا وجه لتخصیصه بالتفصیلی ـ أنّ ذلک لا یناسب
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 9 مع البحث عن القطع الإجمالی فی مبحث القطع .
وإن أراد الأعمّ منه ومن الإجمالی : فیقع التداخل بین مباحثه ومباحث الاشتغال ، وعلیه لابدّ أن یبحث عن الشکّ فی المتعلّق ـ الاشتغال ـ فی أبحاث القطع لا فی أبحاث الشکّ ؛ فإنّ الشکّ فی المتعلّق یلازم القطع الإجمالی بالحکم .
ومنه یعلم : أنّه لو أراد من الطریق المنصوب من الشارع الأعمّ ممّا عرضه الإجمال فی متعلّقه أو لا ، یقع التداخل بینه وبین الشکّ فی المتعلّق .
أضف إلی ذلک : أنّه لیس لنا طریق منصوب من الشارع ، وأنّه لیس هنا أمارة تأسیسیة ، بل کلّها إمضائیة .
وعلی ذلک یصیر البحث عن تلک الأمارات الإمضائیة بحثاً استطرادیاً ، فیکون عامّة مباحث الظنّ أبحاثاً استطرادیاً ، إلاّ أن یراد بالطریق المنصوب أعمّ من الطرق الإمضائیة . ومع ذلک یرد علیه الظنّ علی الانسداد ، بناءً علی الحکومة . ولا محیص عن هذه الإشکالات وأشباهها .
والأولی أن یقال : إنّ هذا التقسیم إجمال للمباحث الآتیة مفصّلاً ، وبیان لسرّ تنظیم المباحث ؛ فإنّه لأجل حالات المکلّف بالنسبة إلی الأحکام ؛ فإنّه لا یخلو بعد الالتفات من القطع بالحکم أو الظنّ أو الشکّ به .
والشکّ لا یخلو : إمّا أن یکون له حالة سابقة أو لا ، والثانی لا یخلو : إمّا أن یکون الشکّ فی التکلیف أو المکلّف به ، والثانی لا یخلو : إمّا أن یمکـن الاحتیاط فیه أو لا . فرتّبت المباحث حسب حالات المکلّف ، مـن غیر نظر إلی المختار فیها .
فلا یـرد الإشکال إلاّ التداخـل بین القطـع والشکّ فی المتعلّق ؛ فإنّـه مـن القطع الإجمالی .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 10 ویمکن أن یذبّ عنه : بأنّ ما ذکر فی مبحث القطع هو حیث حجّیة القطع وما یرتبط به ، وما ذکر فی مبحث الاشتغال جهات اُخر مربوطة بالشکّ ، فلا یتداخلان ؛ لاختلاف اللحاظ .
وعلی ما ذکرناه لا یحتاج إلی تقیید الحالة السابقة بالملحوظة حتّی یرد علیه : أنّه من قبیل الضرورة بشرط المحمول .
بل الأولی فی تنظیم مباحث الاُصول : أن یبحث من القطع بقسمیه فی مبحثٍ ، واُدرج فیه بعض مباحث الاشتغال ممّا کان الحکم معلوماً إجمالاً بالعلم الوجدانی ، کإمکان الترخیص وامتناعه ؛ ولو فی بعض الأطراف .
ثمّ اُردف بمبحث الأمارات ؛ سواء کانت الأمارة قائمة مفصّلاً أو إجمالاً ، واُدرج فیه سائر مباحث الاشتغال والتخییر ، واُدرج البحث عن التعادل والترجیح فی ذیل حجّیة خبر الثقة . ثمّ اُردف بمبحث الاستصحاب ، ثمّ مبحث البراءة حتّی یکون الترتیب حسب ترتیب حالات المکلّف ، والأمر سهل .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 11