الأمر الثالث : فی کیفیة حکومة حدیث الرفع
لاشکّ فی أنّه لا تلاحظ النسبة بین هذه العناوین وما تضمّنه الأدلّة الواقعیة ؛ لحکومتها علیها ، کحکومة أدلّة نفی الضرر والعسر والحرج علیها ، إلاّ أنّ الکلام فی کیفیة الحکومة وفرقها فی هذه الموارد الثلاثة :
فقال بعض أعاظم العصر قدس سره : إنّه لا فرق بین أدلّة نفی الضرر والعسر والحرج
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 37 وبین حدیث الرفع ؛ سوی أنّ الحکومة فی أدلّة نفی الضرر والحرج إنّما یکون باعتبار عقد الحمل ؛ حیث إنّ الضرر والعسر والحرج من العناوین الطارئة علی نفس الأحکام ؛ فإنّ الحکم قد یکون ضرریاً أو حرجیاً ، وقد لا یکون .
وفی دلیل رفع الإکراه ونحوه إنّما یکون باعتبار عقد الوضع ؛ فإنّه لا یمکن طروّ الإکراه والاضطرار والخطأ والنسیان علی نفس الأحکام ، بل إنّما تعرض موضوعاتها ومتعلّقاتها . فحدیث الرفع یوجب تضییق دائرة موضوعات الأحکام ، نظیر قوله : «لا شکّ لکثیر الشکّ» ، و«لا سهو مع حفظ الإمام» ، انتهی .
وفیه أمّا أوّلاً : أنّ معنی قوله تعالی : «مَا جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ» هو نفی جعل نفس الحرج لا الأمر الحرجی . وکذا قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا ضرر ولا ضرار» هو نفی نفس الضرر لا الأمر الضرری .
فعلی ذلک لا یصحّ ما أفاد : أنّ الحکومة فی أدلّة نفی الضرر والحرج باعتبار عقد الحمل ؛ فإنّه إنّما یصحّ لو کان المنفی الأمر الضرری والحرجی ؛ حتّی یقال : إنّ الحکم قد یکون ضرریاً أو حرجیاً .
وثانیاً : أنّ الحکومة قائمة بلسان الدلیل ، کما سیوافیک بیانه فی محلّه ، ولسان الدلیلین ـ أعنی «لا ضرر ولا ضرار» و«وَما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فِی الدِّینِ مِنْ حَرَجٍ» ـ متغایران ؛ فإنّ الأوّل ینفی نفس الضرر والثانی ینفی جعل الحرج ، وبینهما
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 38 فرق فی باب الحکومة ، ویأتی الکلام من أقسام الحکومة فی بابها .
وثالثاً : أنّ الضرر والحرج من العناوین الطارئة علی الموضوعات التی وقعت تحت دائرة الحکم ، کالصوم والوضوء والمعاملة المغبون فیها أحد الطرفین ؛ فإنّ الموصوف بالضرر والحرج نفس هذه العناوین .
نعم ، قد ینسبان إلی أحکامها بنحو من العنایة والمجاز ؛ فإنّ إلزام الشارع وتکلیفه ربّما یصیر سبباً لوقوع المکلّف فی الضرر والحرج ، وعلی هذا فلا یصحّ قوله : إنّ الضرر والحرج من العناوین الطارئة علی نفس الأحکام . اللهمّ إلاّ أن یرید ما قلنا من المسامحة .
ورابعاً : لا شکّ أنّ الخطأ والنسیان قد یعرضان علی الموضوع وقد یعرضان علی الأحکام .
فمن العجیب ما أفاده رحمه الله من أنّ الخطأ والنسیان لا یمکن طروّهما علی نفس الأحکام ، ولعلّه سهو من قلم المقرّر رحمه الله .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 39