التمسّک بالاستصحاب لإثبات صحّة العمل مع الزیادة
ثمّ إنّه ربّما یتمسّک لصحة العمل مع الزیادة بالاستصحاب ، وقد قرّر بوجوه :
الأوّل : ما أفاده شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ فی مقامات کثیرة ، منها هذا
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 367 المقام ، فیقال : باستصحاب عدم قاطعیة الزائد أو مانعیته بنحو العدم الأزلی ، فیشار إلی ماهیة الزائد ، ویقال : إنّها قبل تحقّقها لم تتّصف بالقاطعیة ، والآن کما کان .
وفیه : ما عرفت سابقاً ؛ من عدم إمکان بقاء هذیتها ؛ لأنّ الشیء قبل تحقّقه لم یکن مشاراً إلیه ولا محکوماً بشیء إثباتاً أو نفیاً . فالماهیة قبل تحقّقها لا شیئیة لها حتّی یقال : إنّها قبل وجودها کانت کذا أو لم یکن کذا .
وإن شئت قلت : لابدّ فی الاستصحاب من وحدة القضیة المتیقّنة والمشکوک فیها ، ولیس فی السالبة بانتفاء الموضوع علی حذو سائر القضایا موضوع ومحمول ونسبة حاکیة عن الواقع بوجه . فاستصحاب العدم الأزلی لا أصل له .
مع أنّه علی فرض جریانه یمکن أن یدّعی : أنّه من الاُصول المثبتة ؛ لأنّ إثبات صحّة المأتی به باستصحاب عدم اتّصاف الزائد بالقاطعیة عقلی . بل لعلّ سلب قاطعیته للصلاة الموجودة بذلک الاستصحاب أیضاً عقلی .
وفیه أیضاً أنظار اُخر یطول المقام بذکره .
الثانی : استصحاب عدم وقوع القاطع فی الصلاة .
وتوضیحه علی نحو یتمیّز المثبت من غیره یتوقّف علی بیان أمر ، وهو : أنّ الأثر ربّما یترتّب علی کون الشیء متّصفة بصفة خاصّة ، کما إذا قال : «صلّ خلف الرجل العادل» ، فما هو موضوع للحکم کون الرجل عادلاً . وربّما یترتّب الحکم علی المحمول المتقیّد بالموضوع ، کعدالة زید ، کما لو نذر التصدّق عند قیام الدلیل علی عدالته . فلکلّ من الموضوعین أثر ومقام .
فلو أراد أن یأتمّ بزید وشکّ فی کونه عادلاً وقت الائتمام أولا ، مع کونه
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 368 عادلاً فیما سبق فلابدّ من أن یستصحب کون زید عادلاً . واستصحاب عدالة زید لا یثبت کون زید عادلاً .
وقد أوضحنا فی رسالة الدماء الثلاثة : أنّ ما هو المفید هو استصحاب کون المرأة حائضاً ، لا استصحاب حیضیة الدم ، فإنّه لایثبت کونها حائضاً .
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ المفید مـن الاستصحاب استصحاب ما هـو موضوع للأثر ؛ وهو کون الصلاة بلا مانع أو الهیئة الاتّصالیة بلا قاطع ، فیستصحب بقاؤها علی هذه الحالة عند الشکّ فی طروّهما . وأمّا استصحاب عدم وقوع المانع فیها أو عدم وقوع القاطع فی الهیئة الاتّصالیة لایثبت کون الصلاة بلا مانع أو کون الهیئة بلا قاطع .
نعم ، قد احتملنا فی الدورة السابقة جریان الاستصحاب فی نفس التقیید ـ أی الکـون الرابط ـ وقلنا : إنّ استصحاب عدم تحقّق المانـع فی الصلاة عبارة اُخـری عـن کونها بلا مانع ، إلاّ أنّـه مـورد تأمّل ونظر کما عرفت ، ومـا قوّیناه أخیراً أوضح .
ولیعلم : أنّ جریان هذا الاستصحاب فی المانع والقاطع لایحتاج إلی إثبات الهیئة الاتّصالیة للصلاة . نعم لایجری هذا الاستصحاب فیما یقارن للصلاة من أوّل وجودها ، کاللباس المشکوک فیه ، وإنّما یجری فی الطارئ المحتمل أثناء الصلاة .
واعلم : أنّ هذا الاستصحاب مبنی علی أنّ معنی مانعیة الشیء وقاطعیته راجع إلی أخذ عدمهما فی الصلاة ؛ بحیث یکون المأمور به هو الصلاة المتقیّد بعدمهما ، کما هو المعروف فی معنی الموانع والقواطع ، فیجری هذا الاستصحاب ،
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 369 وقد میزت الأصل النافع عن عدمه .
وأمّا إذا قلنا : بأنّ کون الشیء مانعاً أو قاطعاً لیس إلاّ کون وجوده مخرّباً للصلاة ، من دون أن یقع العدم مورداً للأمر ، ومن دون أن یکون مؤثّراً فی حصول الغرض ، کما هو الحال فی الموانع التکوینیة ؛ فإنّ المؤثّر هو النار ، لا النار مع عدم الرطوبة ، وإنّما الرطوبة مخرّبة وهادمة لأثرها .
فلا مجال لهذا الاستصحاب ؛ لأنّ المأمور به لیس الصلاة المتّصفة بـ «لا مانع» و «لا قاطع» ، بل ذات الصلاة التی لایجتمع فی نفس الأمر مع هذه القواطع والموانع ؛ وهو لایحرز بالأصل ؛ لأنّ نفی أحد الضدّین لایلازم شرعاً ثبوت الآخر ، وهذا مثل إثبات السکون بنفی الحرکة .
وأمّا الکلام فی تحقیق معنی المانعیة والقاطعیة ، وأنّ مرجعهما إلی أخذ العدم أو إلی مخرّبیة وجودهما ، من دون أخذه فله مجال آخر ، فلیکن هذا علی ذکر منک .
الثالث : استصحاب الهیئة الاتّصالیة .
وهی أمر اعتباری وراء نفس الأجزاء ، یکون تحقّقها من أوّل وجود المرکّب إلی آخره . فصار المرکّب بهذا الاعتبار أمراً وحدانیاً متّصلاً ، کالموجودات غیر القارّة ، کالزمان والحرکة ؛ فإنّ کلّ واحد منهما أمر واحد ممتدّ متّصل یوجد بأوّل جزئه وینعدم بآخر جزء منه ، بلا تخلّل عدم بینهما ، غیر أنّ الاتّصال هناک حقیقی وفی المقام اعتباری ، کما لا یخفی .
والمراد من الهیئة الاتّصالیة غیر الوحدة المعتبرة فی کلّ مرکّب یقع تحت دائرة الطلب أو فی اُفق الإرادة ، کما ذکرنا فی باب الأقلّ والأکثر ؛ لأنّ الوحدة
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 370 تجعل تلک الاُمور المختلفة شیئاً واحداً یتعلّق به أمر واحد ، وأمّا السکنات المتخلّلة فتکون خارجة عن المرکّب .
وأمّا الهیئة الاتّصالیة فتجعل تلک السکونات داخلة فیه ، لا علی حذو سائر الأجزاء حتّی تکون فی عرضها ، بل هی کخیط ینضمّ شتات الأجزاء ویوصل بعضها ببعض ، فیکون الآتی بالمرکّب داخلاً فیه من أوّله إلی آخره ؛ حتّی فی السکونات المتخلّلة .
ویدلّ علیه ـ مضافاً إلی الروایات المستفیضة فی باب القواطع المعبّرة عن کثیر من المفسدات بالقواطع ؛ إذ لولاها لما کان لاستعماله وجه ـ ارتکاز المتشرّعة ، الکاشفة عن الحکم الشرعی ، فتری کلّ متشرّع یصلّی یری نفسه فی الصلاة ؛ من تکبیرها إلی سلامها ـ حتّی فی السکونات ـ وهذا أوضح دلیل علی اعتبارها .
وما عن بعض أعاظم العصر من الإشکال فی ثبوتها فی الصلاة لأجل وجوه ذکرها لیس فی محلّه ، وقد أوضحنا حال تلک الوجوه فی الدورة السابقة وأطلنا المقال ؛ حتّی بحثنا عن صحّة شرطیة أحد الضدّین ومانعیة الآخر وعدم صحّتها ، غیر أنّا نکتفی بما عرفت ، والتفصیل موکول إلی محلّه .
واعلم : أنّه لو قلنا بأنّ مآل المانعیة أو القاطعیة إلی شرطیة عدمهما فی
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 371 المأمور به فلا ینفع بقاء الهیئة الاتّصالیة ؛ لأنّ بقائها لایثبت تحقّق هذا العدم فی المأمور به .
فظهر : أنّ هذا الاستصحاب وما سبقه متعاکسان فی الجریان وعدمه ، فتدبّر .
الرابع : استصحاب الصحّة التأهّلیة للأجزاء بعد وقوع ما یشکّ فی قاطعیته أو مانعیته . ومعنی الصحّة التأهّلیة هو أنّ الأجزاء السالفة قبل حدوث ما یشکّ فی قاطعیته ومانعیته کانت مستعدّة للحوق الأجزاء الباقیة علیها ، والأصل بقاء ذلک الاستعداد وعدم بطلانه لأجل تخلّل ما یشکّ فی قاطعیته .
وما أفاده بعض أعاظم العصر من أنّه استصحاب تعلیقی ، وأنّ معنی الصحّة التأهّلیة هو أنّه لو انضمّ إلیها البقیة تکون الصلاة صحیحة ، وهذا المعنی فرع وقوع الأجزاء السالفة صحیحة ، وهذا ممّا یقطع به ، فلا شکّ حتّی یجری الاستصحاب ، غیر تامّ ؛ إذ أیّ تعلیق فیما ذکرناه ؟
وما أفاده من أنّ صحّة الأجزاء السالفة مقطوعة لیس بشیء ؛ لأنّه لیس معنی الصحّة التأهّلیة ، بل معناه هو الحیثیة الاستعدادیة المعتبرة فی الأجزاء السابقة لتأهّل لحوق البقیة ، وهذا أمر مشکوک فیه .
نعم ، یرد علی هذا الاستصحاب : أنّه لایثبت الصحّة الفعلیة ، وأنّ بقاء الاستعداد فی الأجزاء السابقة لایثبت ربط الأجزاء اللاحقة بها ، إلاّ علی القول بالأصل المثبت .
کتابتهذیب الاصول (ج. ۳): تقریر ابحاث الاستادالاعظم والعلامه الافخم ... الامام الخمینی (س)صفحه 372